شارلي إبدو والخوف من الإسلام
حديث مع بهجت قرني ومصطفى السيد، أعضاء هيئة التدريس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، حول الهجوم على جريدة "شارلي إبدو" الفرنسية بمدينة باريس، وآثار ذلك الحادث على المجتمعات الإسلامية المتواجدة في الغرب.
هل تعتقد أن حادثتي "شارلي إبدو" و"متجر الأطعمة " ستؤديان إلى زيادة "الخوف من الإسلام"؟ وما التدابير التي يمكن اتخاذها لمواجهة ذلك؟
قرني: أثارت الحادثتان ردود أفعال واسعة وحالات من الاستنكار في المدن الفرنسية والأوروبية، حيث يقول البعض أن تلك الحادثتين ستزيدان من شعور "الخوف من الإسلام" وفي حقيقة الأمر نحن نشهد ظهور مفهوم لا يرى الإسلاميين إرهابيين فحسب، وإنما يصنِف الإسلام على أنه دين عنف وإرهاب. فقد أخبرني زميل لي من مدينة مارسيليا، والتي يعيش بها أكبر شريحة من المسلمين المقيمين بفرنسا، "لو كان أعداء الإسلام أنفسهم يريدون إلحاق الأذى بهذا الدين، لن يكون بمقدورهم التخطيط لذلك بصورة أفضل مما حدث بالفعل."
السيد: بالتأكيد ستؤدي تلك الحادثتين إلى ترسيخ ظاهرة "الخوف من الإسلام" وتفاقم حدتها، وخاصة لتزامن حدوثها مع المظاهرات المناوئة للإسلام والتي شهدتها عدة مدن ألمانية ضد ما يسمى بـ"أسلمة أوروبا"، بالإضافة إلى إصدار الكتاب الفرنسي "استسلام" ، والذي يحكي فيه الكاتب عن توقعاته لرئاسة بلاده من قبل رئيس مسلم في عام 2022. إن مثل هذه الأحداث تعتبر بمثابة الوقود الذي أجج النيران وأثار ثائرة الشعب الفرنسي أكثر وأكثر. لقد نُفذت حادثتا جريدة "شارلي إبدو" و"متجر الأطعمة " بأيدي بعض الفرنسيين، وهو الأمر الذي يعكس وضع الكثير من الشباب الفرنسي الذي يعاني من الفقر، وعدم الحصول على تعليم جيد، ويُمارس ضده التمييز. فلابد من تغيير هذه الوضع، ويجب على أوروبا التصدي للجماعات العنصرية وأنشطتها، والتي تدّعي استخدامها لحق حرية التعبير. فقد ظهرت هذه الجماعات في أوروبا منذ وقت طويل، وليس من المحتمل اختفائها في المستقبل. ومن ناحية أخرى، هناك بعض الجماعات في دول عربية وإسلامية تتبنى موقف عدائي تجاه أوروبا، ولا تتمكن من فهم أو استيعاب فكرة "الحرية عن التعبير" الراسخة في الثقافة الغربية. إنها حلقة مفرغة.
يعاني المهاجرون في كل من فرنسا وأوروبا من تزايد العداء والتمييز العنصري والديني ضدهم. كيف تشعل مثل هذه الحوادث نيران العداء تجاههم، وكيف يؤثر ذلك على الحوار القائم حول هذه القضايا؟
السيد: حصل حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف على 24% من أصوات الناخبين في الانتخابات الفرنسية الأخيرة، ومن المتوقع أن تزداد شعبيته وخاصة بعد الحادثتين الأخيرتين. إن حدوث ذلك يعني استمرار شعور العداء تجاه المهاجرين وتزايده من قبل الكثير من الفرنسيين والذين يشعرون بدورهم بالتهديد الذي يمثله هؤلاء الأجانب أو المهاجرين من حيث الحصول على الوظائف، ومستوى مقبول من المعيشة، وحصة عادلة من موارد البلد. فمن الصعب مواجهة والتعامل مع مثل هذا الشعور المشحون بالتمييز والعنصرية، وخاصة وأن هذا الشعور يزيد في أوقات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، مثل هذه الأيام، التي تزداد فيها معدلات البطالة والفقر، وتنخفض موازنة الحكومات في دول أوروبا. هناك قناعة راسخة أن أي تهديد يوجه لحرية التعبير في أوروبا وأمن شعوبها يكون مصدره المسلمين، ونحن لا نتحدث عن الوظائف ومستويات الدخل في هذا السياق فحسب، وإنما نتحدث عن التهديد الموجه لأسلوب الحياة ذاته، حيث تعتبر المرأة المحجبة أو الأسرة المسلمة بأكملها تهديد قائم لأسلوب الحياة في فرنسا. إن الحوار السائد في فرنسا وأوروبا الآن هو إدانة وشجب الإرهاب، وهذا ما يبدو ظاهرياً فقط، ولكن الرسالة الضمنية هي إدانة الإسلام وأنشطة الجماعات المتطرفة والتي ترتكب أفظع الجرائم باسم الإسلام.
قرني: في الوقت الحالي، يشعر الجانبان بالخوف، حيث يشعر الكثير من الأوروبيين أن البعض من القيم الأساسية التي يتمتعون بها، مثل حرية التعبير، هي محل هجوم وأن ثمن هذه الحرية هو القتل. ومن ناحية أخرى، يشعر الستة مليون مسلم في فرنسا ومسلمي أوروبا أن عليهم دفع ثمن الجرائم والممارسات الإرهابية التي يرتكبها آخرون والتي لا تمثلهم من قريب أو بعيد بأي شكل من الأشكال.وسيستغرق تقليل حجم الفجوة في استيعاب كل من الطرفين ونزع السلاح من متطرفي الجانبين الكثير من الوقت.إن الأحزاب اليسارية والمتطرفة الأوروبية هي في مقعد القيادة الآن، وعلى أهبة الاستعداد لجني ثمار الوضع الراهن والحصول على الأصوات الكافية للحد من الهجرة إلى أوروبا. فضلاً عن ذلك، قد تؤدي حادثة الهجوم على متجر الأطعمة اليهودي وقتل أربعة من الرهائن إلى ظهور إسرائيل في صورة"الضحية" بشكل أكبر وقلة الشعور بالتعاطف مع الفلسطينيين،هذا على الأقل في الوقت الحالي.
ما هي التدابير الواجب على الحكومة الفرنسية اتخاذها لمنع ظهور أي حديث استقطابي يرسي أسس "نحن وهم"، ومنع حدوث المزيد من العنف؟
قرني: يعتبر التدبير الأول الواجب على الحكومات الأوروبية والفرنسية اتخاذه هو حماية المساجد، والمدارس الإسلامية، ومتاجر الأطعمة الحلال، والمسلمين في الشوارع. لابد وأن يشدد الإعلام على أن أحد ضحايا حادث "شارلي إبدو" كان شرطياً مسلماً وقد أُصيب أثناء عملية الهجوم على الجريدة ولقي مصرعه على أيدي أحد الأخوين كواشي. ولكن، لابد وأن يتم صياغة سياسات طويلة المدى عن السبب في عزل بعض المواطنين والمسلمين الفرنسيين عن القيم الأساسية الأوروبية السائدة بشكل كبير. لماذا يكون هؤلاء أكثر فقراً، وأقل تعليماً عن المتوسط القومي؟ فضلاً عن ذلك، ففي حين نؤكد على احترامنا لحق الحرية في التعبير، لابد وأن نحبط نزعة كراهية الأجانب و"خطاب الكراهية" الذي يوجه ضد بعض الرموز الدينية.
السيد: يجب أن تتخذ الحكومات الأوروبية الإجراءات اللازمة لمنع خرق القانون. نحن نتفهم أن يتظاهر الناس ضد الإرهاب ولدعم حرية التعبير، ولكن الاعتداء على مواطنين آخرين أو على عمال مهاجرين من الأجانب هو خرقاً صريحاً للقانون. هناك حوالي خمسة مليون مسلم يعيشون في فرنسا، وهم جزء من مجتمعات متأصلة وُلد أعضاؤها وعاشوا في فرنسا على مدى أعوام طويلة.يجب أن تعمل الحكومة على تأمين وحماية هؤلاء المسلمين في مثل هذه الأزمات حتى لا يزيد العداء بين الطرفين. ويعتبر خطاب الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، والذي أدان الإرهاب من خلاله وأكد على أن مثل هذه الجرائم البشعة والتي ترتكبها بعض الجماعات المتطرفة لا تمثل الإسلام أو أي دين آخر في شيء، هو خطوة على الطريق الصحيح. فلابد من التأكيد على هذه النوع من الخطاب الإيجابي باستمرار، ولكنه لن يكون كافياً لإخماد شعور الكراهية والعنصرية تجاه المسلمين في فرنسا. هذا، وتعتبر مظاهرة باريس، التي شارك فيها رؤساء حكومات الدول الأوروبية تضامناً مع ضحايا حادث "شارلي إبدو" ولدعم الوحدة الوطنية، هي خطوة إيجابية أيضاً.
كيف ستكون ردود أفعال المجتمعات الإسلامية والعربية؟
السيد: استنكر زعماء المجتمعات الإسلامية بفرنسا وفي جميع أنحاء العالم هذه الهجمات الإرهابية. ومع ذلك، من المهم أن تتكيف المجتمعات الإسلامية في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية مع القيم الغربية، وأن تعي أن الأديان لا تُستثنى من ممارسة الحرية في التعبير. فهناك بعض الكتب والأفلام التي تسخر من جميع الأديان، وليس الدين الإسلامي فقط، فهي تسخر من الدين المسيحي والنبي عيسى عليه السلام.وكما تخبرنا تعاليم القرآن إن سخر قوم من ديننا، علينا اجتنابهم حتى يغيروا حديثهم. لا يوجد نص بالقرآن يشجع على القتل والعدوان، أو مقاطعة هؤلاء القوم حتى، يُذكر فقط اجتنابهم حتى يتحدثون بأمر آخر. حان الوقت لتفسير وفهم الإسلام بالصورة الصحيحة التي تبين الروح الحقيقية لهذا الدين الحنيف.
قرني: يقع على عاتق الحكومات العربية والإسلامية والمجتمع المدني مسئولية كبيرة الآن. فقد كان قيام مصر والسعودية، وبعض المنظمات مثل جامعة الدول العربية والأزهر الشريف، بإدانة حادث "متجر الأطعمة " وقتل بعض الأشخاص الأبرياء رد فعل صحيح من جانبهم. فقد كنت أود أن يكون هناك إدانة أكثر صراحة لهذا الحادث من قبل منظمة التعاون الإسلامي. وبعبارة أخرى، لابد وأن يعمل المسلمون على إظهار دينهم على حقيقته وأنه لا يمت بصلة لمثل هذه الحوادث الدموية والإرهابية، وأنه ليس بالصورة التي يحاول بعض المسلمين المضلّلَين واليسار الأوروبي أن يظهره فيها.