مقبرة ملكة مصرية تكمل الصورة عن تاريخ الأسر الخامسة
كان لاكتشاف مقبرة لملكة مصرية، لم تكن معروفة الهوية سابقاً، في مدينة المقابر التي تقع في منطقة أبو صير الأثرية، جنوب غرب مدينة القاهرة أثراً كبيراً في التعرف على تشكيل تاريخ الأسر المالكة بالمملكة القديمة وفهم لدور المرأة في هذا الوقت.
ميروسلاف بارتا هو من قاد عمليات الحفر والتنقيب وهو يشغل منصب مدير المعهد التشيكي للآثار المصرية وهو أستاذ بجامعة تشارلز بمدينة براغ بالتشيك وقد شغل منصب أستاذ سيمبسون في عام المصريات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة خلال العام الأكاديمي 2013-2014. يعلق بارتا قائلاً " أكثر ما يميز هذا الاكتشاف هي النقوش المحفورة على جدران المقبرة والتي توضح أن هذه الملكة هي عضو جديد تماماً أضيف للأسرة المالكة الخامسة."
يقول بارتا "سجلت النقوش المحفورة داخل حجرة الدفن لقبين لهذه الملكة المصرية وهما "زوجة الملك" و"أم الملك". فقد حملت هذه النقوش بين سطورها الاسم خنت كاوس، " وهي الملكة المصرية الفرعونية الثالثة التي تُلقب بهذا الاسم.
وقد أثار ذلك اللقب الملكة خنت كاوس الثالثة لهذه الملكة في سلالة الأسر الملكية المصرية اهتماماً عالمياً. يقول بارتا "إنها زوجة ملكية، غالباً للملك رع نفر إف،" لأنها دُفنت على مقربة من مقبرته."
هذا، ويساعد الكشف عن مقبرة الملكة خنت كاوس الثالثة على فهم دور المرأة ومكانتها في دولة مصر القديمة بوجه عام. تقول سليمة إكرام، أستاذ علم المصريات ورئيس وحدة علم المصريات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، "كانت المرأة تتمتع بسلطات هائلة وتحظى بمكانة رفيعة وخاصة في المملكة المصرية القديمة. فقد تمتعت بسلطات واسعة كونها أماً لملك."
يوضح بارتا "هذا يعني، على سبيل المثال، قيام الملوك ببناء أفضل المقابر لأمهاتهم. وبالتالي، فإن المرأة التي تحظى بمثل هذه المكانة تلعب دوراً مهماً للغاية."
ويضيف بارتا أنعه عادة ما تشير معظم النقوش إلى رجل، ولا توجد أية أسماء أو نقوش تشير إلى أي امرأة. يقول بارتا وبالرغم من أن هؤلاء النساء هويتهن لا تزال مجهولة في العديد من الحالات، إلا أنه عند فحص الأدوات والأثاث الجنائزي الموجود داخل هذه المقابر، ستجد أن تلك الخاصة بالنساء يبدو مظهرها أكثر غنى وثراءً وذلك مقارنة بتلك الخاصة بالرجال، مما يشير إلى المكانة الكبيرة التي حظت بها هؤلاء النساء في البلاط الملكي."
تشير هذه النقوش إلى حياة خنت كاوس كإمرأة تنحدر من أسرة مالكة. كانت خنت كاوس متزوجة من ملك، ولكن الأمر الأكثر أهمية من ذلك هو ولادتها للولد الذي أصبح ملكاً فيما بعد، والذي يُحتمل أن يكون من كاو رع. يقول بارتا "ففي الأسرة الخامسة، هناك دلائل قوية تشير إلى أنه فور وصول الرجل إلى سدة الحكم وتتويجه وتنصيبه ملكاً، فإنه يدعم أمه ويقوم ببناء مجموعة جنائزية تكون أكثر ملائمة لأم الملك." تشير الأبحاث إلى أن تحول المرأة من الزوجة إلى الأم كان يصاحبه تعظيم وتوقير لشخصها ورفع لمنزلتها.
اكتُشفت هذه المقبرة التي ترجع إلي الأسرة الخامسة الوسطى (حوالي 2450 قبل الميلاد) في أوائل العام الحالي وتقع هذه المقبرة داخل جبانة صغيرة خصصت لدفن صفوة البلاط الملكي. وقد تعرض قديماً الكثير من أجزاء المقبرة للتلف مثل المصطبة، والمذبح، والناووس أو التابوت الحجري. إلا أن البعثة ثد تمكنت من العثور على 24 وعاء من الحجر الجيري، و4 أدوات نحاسية والتي كانت جزءً من أدوات الدفن. بالإضافة إلى ذلك، تم العثور على بعض الشظايا العظمية الصغيرة. يقول بارتا "ففي ظل السياق الأثري الذي نتحدث عنه، نحن نعتقد أن هذه العظام هي عظام خنت كاوس."
يعمل فريق خبراء الآثار التشيكي في منطقة أبو صير منذ 55 عام تقريباً وتربطه علاقة تعاون بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. حيث تعمل إكرام كعضو دائم بالفريق وتعمل في منطقة أبو صير على وجه الخصوص. وهناك أيضاً شراكة بين الفريق ومطبعة الجامعة، وقد نشرت المطبعة مؤخراً كتاباً بعنوان "دواء المصريين القدماء" أو "The Medicine of the Ancient Egyptians"والذي اشترك في كتابته ثلاثة علماء تشيكيين، ويتحدث الكتاب عن العمليات الجراحية، وطب أمراض النساء والولادة، وطب الأطفال في مصر القديمة.
كانت منطقة أبو صير موقعاً مثالياً للحفر والتنقيب عن الآثار في السنوات الأخيرة. ومن أهم القطع الأثرية التي تم الحصول عليها في منطقة أبو صير هي "بردية أبو صير"، والتي تعد من أقدم أوراق البردي التي تحتوي على معلومات تفصيلية حول المعتقدات الخاصة بالموت والدفن، والنظم الإدارية. وهناك أيضاً مجموعة من التماثيل المصنوعة من الخشب والحجر الجيري والتي تعتبر في حالة جيدة للغاية، وقد ساعدت على فهم ممارسات الدفن والبنية الاجتماعية داخل الأسرة الخامسة.
تشعر إكرام بالتفاؤل لما قد يكشفه البحث والتنقيب بمنطقة أبو صير عن جميع طبقات المجتمع في مصر القديمة، موضحة "سيكشف العمل هنا قدراً هائلاً من المعلومات حول الحياة اليومية لخادمي الملك، وحالات الموت في جميع الطبقات الإجتماعية، بالإضافة إلى العلاقات الأسرية والسلطة داخل الأسرة المالكة في المملكة القديمة."
ويشعر بارتا أيضاً بالحماس الشديد عما قد يكشفه التنقيب عن هذه المقابر، موضحاً "هناك المزيد من المقابر التي سنقوم بالتنقيب عنها، ونحن نعتقد أن البعض منها قد يكون أصحابها أعضاء مجهولة من الأسر المالكة. وسنعلم المزيد عند وصول اختصاصي علم الإنسان التابع لنا هنا في مصر خلال شهر مارس أو إبريل من العام الحالي." لا يزال لدينا الكثير لنعرفه مع كل كشف جديد عن الأسرة المالكة الخامسة. ويعتقد بارتا أن الكشف عن مقبرة الملكة خنت كاوس الثالثة يعد بمثابة قطعة جديدة لاستكمال الصورة الكاملة.