الدفعة الثانية من طلاب منحة الغرير يسعون لإحداث تغيير
حينما اندلعت الحرب في اليمن في عام 2015، مكثت أسرة محمد الصبري بمنزلهم بمدينة تعز لأطول فترة ممكنة. وخلال هذا العام، تم تهجيرهم قسرياً خارج البلاد مع أكثر من 11% من السكان وذلك بسبب العنف والضربات الجوية المستمرة. درس الصبري اللغة الإنجليزية في مدينة صنعاء، عاصمة اليمن، قبيل مساعدة أسرته للانتقال إلى قرية في أطراف المدينة. وقد قام بتدريس اللغة الإنجليزية وذلك لتوقف والده عن العمل إثر إصابته بأزمة قلبية، ثم تبددت أحلامه لمواصلة الدراسة بسبب عدم إمكان الجامعات المحلية على صرف رواتب للأساتذة وصعوبة الانتقال بين المدن.
يقول الصبري عن هذه الفترة "لم أود التواجد في مثل هذا الموقف، لم تكن هذه الخطة هي ما عزمت على القيام به منذ عامين. لكن هذا ليس خطأي، إنها الحرب. وصدقني، إن مجرد البقاء حياً أثناء الحرب يعتبر إنجازاً في حد ذاته."
لا يود الصبري أن يسهب في التفكير في الصعوبات والشدائد التي واجهها هو وأي يمني آخر، فهو يسعى للبحث عن حلول فحسب. كطالب متفوق ولإيمانه بقوة التعليم، يرى الصبري أن التعليم هو أفضل سبيل لمساعدة بلده وأسرته. ومن ثم، كان يقضي وقت فراغه في البحث عن الفرص التعليمية والدعم المالي حتى عثر على منحة الغرير في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
المنح الدراسية هي جواز سفر في الحياة
علم الصبري بحصوله على منحة مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم في أغسطس 2017، حيث انضم إلى أكثر من 53 طالب بدراسات البكالوريوس والدراسات العليا للدراسة بحرم الجامعة في فصل الخريف الدراسي لعام 2017.
تقدم منحة الغرير منحاً دراسية للشباب المتفوقين غير القادرين من أجل الدراسة في جامعات أخرى شريكة ومعتمدة في المنطقة العربية، والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا بتمويل من مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم، والتي تعد أحد أكبر المبادرات التعليمية الخيرية الممولة من القطاع الخاص في العالم. تم اختيار الجامعة الأمريكية بالقاهرة للتعاون مع مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم ضمن أكثر الجامعات ريادة في المنطقة، وهما الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة الأميركية في الشارقة.
انطلقت مؤسسة عبدالله الغرير للتعليم في يوليو 2015 باستثمارات تبلغ 1,1 مليار دولار أمريكي بهدف توفير منح على مدى الأعوام العشرة القادمة لما لا يقل عن 15,000 شاب عربي واعد للحصول على تعليم وتسليحهم بالمعرفة والمهارات التي يحتاجونها ليصبحوا قادة المستقبل في المنطقة. وهذا هو العام الثاني الذي يحصل فيه الطلاب على هذه المنحة بالجامعة، حيث حصل 33 طالباً على المنحة في العام الماضي.
يقول الصبري "كانت هذه المنحة بمثابة حلم إذ أُتيحت الفرصة لي للسفر خارج اليمن للحصول على تعليم جيد وعالي الجودة. إن الحصول على منحة دراسية هو مثل جواز السفر في حياتي. لا يمكنني أن أوفي المؤسسة حقها مهما عبرت عن امتناني."
يهدف الصبري، الذي تخصص في الهندسة الميكانيكية بالجامعة، إلى البحث عن طريقة لتوليد الطاقة من الاحتكاك. وفي يوم ما، يود الصبري أن يستخدم هذه الطريقة لتزويد المستشفيات الموجودة باليمن بالطاقة لأن المراكز الصحية كثيراً ما تكون أهدافاً للضربات الجوية المدمرة. يقول الصبري "فقدت عضوين من أسرتي لأنهما مرضا ولم تتوافر مستشفيات أثناء الحرب لرعايتهما. وقد أصدرت منظمة المتحدة تقديراتها أن أكثر من 10,000 يمني قد لقوا حتفهم منذ اندلاع الحرب، وهذا الرقم لا يتضمن سجلات المستشفيات والمراكز الصحية حيث يصعب تحديد أية احصائيات.
بالرغم من ارتباط تخصصه الدراسي بالهدف الذي يرمي لتحقيقه وهو ابتكار نظام دولي ومجاني لتوليد الطاقة، إلا أن الصبري مهتم قلباً وقالباً بالتعليم. يقول الصبري "إن الناس تعيش في أوقات صعبة، وخاصة في بعض الأماكن مثل سوريا والعراق واليمن. فهناك الكثير من الطلاب المتميزين، لكنهم لا يتمكنون من مواصلة تعليمهم، وهذا يؤلمني للغاية. إن أصبحت لدي الإمكانية للمساهمة في حل هذه المشكلة، أود حقاً القيام بذلك، لأن التعليم يلعب الدور الأهم في أي مجتمع. أنا أؤمن بأن التدريس رسالة، ومن خلال هذه الرسالة، يمكنك خدمة ومساعدة أمة بأكملها."
ولكن، يعلم الصبري أنه قبل شروعه في تحقيق أي من الأهداف التي يطمح إليها، فإن عليه تعلم الأساسيات، وهي العملية التي تبدأ داخل الجامعة الأمريكية بالقاهرة. يقول الصبري "لا يمكنك تحقيق ذلك بدون الاجتهاد في العمل. أنت تقضي الكثير من الوقت لتحقيق التنمية التصاعدية لكي تتمكن من تعويض الناس عن الأوقات الصعبة التي يمرون بها. وفور بلوغك المكان الذي يمكنك من خلاله تقديم الرعاية لمن اتضررت أن تتركهم، قم بتقديم يد العون لهم. هم الآن في نفس وضعك السابق، فقم بمساعدتهم لكي يتمكنوا من تحقيق ما وصلت إليه."
واليوم، إن بحثت عن الصبري، ستجده إما يدرس ويذاكر بالحرم الجامعي، أو يزور الأسر اليمنية لأنهم يشعرونه وكأنه في وطنه، أو يلعب كرة القدم مع أصدقائه.
أبحاث في السرطان وإيجاد حلول جديدة
حينما اكتشفت منار النجار أنها حصلت على منحة الغرير، شعرت بحماس شديد واحتضنت والدتها وحمدت الله لحصولها عليها. ولكن، حينما بدأت في البحث عن برنامج للدراسات العليا يكون مرتبطاً بمنحة الغرير، لم تكن متأكدة بأن الجامعة الأمريكية بالقاهرة تقدم التخصص الدراسي الذي رغبت في دراسته، ولكنها سريعاً ما بدلت رأيها.
تقول النجار "كطالبة خلفيتها الدراسية في مجال الصيدلة، كنت قلقة قليلاً بشأن مواصلة الدراسات العليا في الجامعة الأمريكية بالقاهرة لأنني ظننت أن الدراسة ستكون موجهة نحو البيئة والطاقة ومعالجة المياه. ولكن أثناء المقابلة الشخصية، حيمنا سألت أساتذتي عن ذلك أخبروني أنه يمكنني توجيه أبحاثي بالشكل الذي يتلائم مع اهتمامي الدراسي، وأن هناك الكثير من الأساتذة الذين يعملون في المجالات الطبية والتكنولوجيا الحيوية."
في الحقيقة، إن الأبحاث في مرض السرطان والتكنولوجيا الحيوية من الموضوعات العلمية الأساسية التي يتم دراستها بالجامعة، وذلك ضمن وسائل عديدة أخرى تساهم بها الجامعة في مكافحة المرض. ويعد الاهتمام الرئيسي للنجار وهو تكنولوجيا النانو في مقدمة الأبحاث الخاصة بمرض السرطان في الجامعة. وقد بدلت النجار، التي وُلدت بمحافظة الإسكندرية، رأيها واختارت الجامعة الأمريكية بالقاهرة حيث تعكف الآن على إيجاد طرق جديدة لمحاربة مرض السرطان أو الأمراض المناعية.
تقول النجار "لا أريد تكرار تجربة إعطاء الجرعات الدوائية لأنني قمت بها بالفعل أثناء دراسات البكالوريوس، ولكنني أود البحث في جهة أكثر تعقيداً مثل هندسة الأنسجة. وفقاً للنجار، تتضمن هذه الطريقة عملية دمج الخلايا مع مواد حيوية ذات مسام نانوية nanoporous scaffold biomaterials كالرغوة أو الشبكة أو أية ألياف أخرى، على سبيل المثال، لإصلاح الأنسجة التالفة وتوجيه نمو خلايا جديدة. إن هذا المجال ليس مجالاً دراسياً شائعاً في مصر. تقول النجار "إن الأبحاث في مرض السرطان مهمة للغاية في مصر، ولكن استخدام تكنولوجيا النانو يعد التقنية الجديدة في المجال الذي نبحث فيه. ففي المجال البحثي، يجب أن يكون كل ما تضيفه وتقوم به جديداً من حيث الفكرة والمادة العلمية والتقنية المستخدمة.
أثناء دراستها في البكالوريوس، قامت النجار بتركيب جزيئات نانو لاستهداف سرطان الكبد. لا زالت النجار تسافر إلى الإسكندرية في عطلات نهاية الأسبوع للعمل على هذا البحث وتعتزم نشر النتائج البحثية خلال العام القادم. تقول النجار "اخترت العمل في المجال الطبي لأنني أشعر أن الناس تعاني كثيراً من الناحية الصحية وأرغب حقاً في تقديم المساعدة لهم. أود أن أُقدم لهم حلول جديدة تساعدهم وتمكنهم من عيش حياة أفضل."
إن السباق لإيجاد حلول لمشكلات الصحة العامة هو أمر مثير للغاية بالنسبة لطالب في السنة الأولى من الدراسات العليا واصفة ذاتها بأنها شديدة التنافس. تقول النجار "أثناء العمل البحثي، تقوم بإجراء الكثير من التجارب وتخطئ، وتواصل المحاولة وتفشل وتكرر المحاولة وتفشل. وفي اللحظة التي تحصل فيها على نتائج، أياً كانت المرحلة التي تحقق نجاح فيها، ستقول إن جهدي لم يذهب سدى، جهدي المبذول لم يكن مضيعة للوقت."
وبين حضور فصولها الدراسية، يمكنك إيجاد النجار تستكشف الحرم الجامعي أو تنظم الفعاليات الخاصة برابطة طلاب الدراسات العليا، أو بالطبع تقوم باختبار تركيباتها داخل المختبر.
تجديد المجتمع العربي
بعض من طلاب منحة الغرير هذا العام يعدون أنفسهم لحياة وعمل في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات منذ الدراسة الابتدائية. تخرج كل من علي محمد غزال ودارين حسين من مدارس العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات الثانوية في المعادي والسادس من أكتوبر على التوالي.
يحلم غزال، المولود في الإسكندرية، أن يصبح مبتكراً عالمياً. بعد تعويم الجنيه المصري في نوفمبر 2016، كان غزال قلقاً من ألا يتمكن من الالتحاق بجامعة تقدم تعليماً عالي الجودة في مستوى التعليم الذي حصل عليه في مدرسته الثانوية. ثم اكتشف أنه يمكنه التقدم لمنحة الغرير ومن ثم الحصول على تعليم أمريكي مشابهاً لدراسته الثانوية.
يقول غزال " أؤمن بالفلسفة التاريخية التي تقول إنه علينا التركيز على الأشياء التي يمكننا تحريكها والتحكم فيها. فقد بذلت كل ما في وسعي للفوز بهذه الفرصة وإبراز شخصيتي أثناء عملية التقديم للمنحة."
يثير اهتمام غزال، الذي يحلم بأن يصبح مارك زوكربرج أو إلون ماسك القادم، مجالي الذكاء الاصطناعي والروبوتات واستخدامهما لتجديد المجتمع العربي وذلك فيما يتعلق بالبنية التحتية، وإتاحة الإنترنت، والتعليم. إن كل من غزال وحسين يعرفان المشكلات التي تواجهها مصر، حيث طُلب من كل منهما، أثناء الدراسة الثانوية، إيجاد حلول لأكبر خمس مشكلات تواجهها المنطقة، والتي تتضمن توفير المياه النظيفة والكثافة السكانية.
أما دارين حسين، فقد وجدت إلهامها في الفاب لاب، وهو ورشة هندسية أو معمل تصنيع مزود بالأدوات والماكينات اللازمة للتصنيع الرقمي وهي الأولى في العالم العربي. تقول حسين، التي تدرس الهندسة الميكانيكية، "أحب إدارة المشروعات واستخدام الماكينات." جدير بالذكر أن الجامعة الأمريكية بالقاهرة قد أطلقت أول فاب لاب لها هذا العام، وتتطلع حسين إلى استخدام الورشة لإعداد المشروعات الخاصة بدراستها.
تتذكر حسين كلمات ملهمة ألقاها أحد مرشدي برنامج السنة الأولى في بداية العام الدراسي بالجامعة، وترى نفسها أحد هؤلاء المرشدين الذين يقدمون النصح والإرشاد لبعض من علماء المستقبل في يوم ما. تقول حسين: "آمل أن أُسس الفاب لاب الخاص بي في يوم ما لأنني حقاً أحب تقديم النصح والإرشاد للآخرين."
أما خارج الفصل الدراسي، قد تجد حسين تعزف البيانو مع نادي ميوزيكانا أو تلتقط الصور الفوتوغرافية للمجلة الطلابية The Insider. وإن لم يكن غزال مجتمعاً مع نادي مشروع خير بالجامعة أو مع أعضاء نموذج الأمم المتحدة، ستجدونه في ملعب كرة القدم.