التنشئة منذ الصغر وعلاقتها بقضية التحرش في أولى مناقشات سلسلة حوارات "لازم نتكلم" بالجامعة
أقامت الجامعة الأمريكية بالقاهرة أمس أولى مناقشات سلسلة حوارات "لازم نتكلم" بعنوان "من البيت للمدرسة: هل تؤثر تنشئتنا منذ الصغر على اختلاف نظرتنا للذكور والإناث؟". تناولت المناقشة العوامل التي تشكل توقعاتنا المختلفة من كل من الذكور والإناث ومدى تأثرنا بالأفكار والمعتقدات الخاصة بالنوع التي غُرست فينا منذ الصغر، كما تناقش الأدوار المرتبطة بالنوع والقوالب النمطية الموجودة في مجتمعنا اليوم، وكيف تشكلت تلك الأدوار والأنماط. جدير بالذكر أن الجامعة الأمريكية بالقاهرة أطلقت سلسلة حوارات "لازم نتكلم" في نوفمبر 2020 انطلاقاً من حرصها على لعب دور محوري في زيادة الوعي بقضية التحرش الجنسي كقضية اجتماعية هامة ولدعم الجهود الوطنية والدولية المتعلقة بهذه القضية خاصة في الجامعات.
تحدث في المناقشة هانيا الشلقامي، استاذة الأنثروبولوجيا والأستاذ المشارك بمركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وخريجة الجامعة عامي 1985 و1989، وفاطمة خفاجي، منسقة شبكة النساء العربيات من أجل التناصف والتضامن "ثائرة" وخريجة الجامعة ماجستير عام 1977، وسارة عزيز، مؤسسة ورئيسة مؤسسة Safe Kids. أدارت المناقشة الإعلامية سمر نجيدة، خريجة الجامعة عامي 2011 و2014.
انضم إلى الجلسة عبر الإنترنت فرانسيس ريتشياردوني، رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة، والذي أكد في كلمته على أهمية دور الجامعة ومشاركتها في مناقشة قضية التحرش على المستوى الوطني. يقول ريتشياردوني "نحن فخورون بالدور الذي تقوم به الجامعة ولكن لا يعني ذلك رضائنا بما حققناه فقط في الجامعة، لذا قمنا بتكثيف جهودنا وأطلقنا حملة "لازم نتكلم". إن مكافحة التحرش ليست قضية للمرأة فحسب بل للرجال أيضاً، لذا يجب تثقيف الجميع بحقوق المرأة وحمايتها من التحرش والتنمر."
ويؤكد ريتشياردوني أن الجامعة تتبع سياسة عدم التسامح مطلقاً مع التحرش الجنسي، ولديها "سياسة مكافحة التحرش وعدم التمييز" كما أنها تستخدم نظاما للإبلاغ عبر الإنترنت لأي شخص تعرض للتحرش أو التمييز. كما تضمنت الإجراءات التي قامت بها الجامعة لمكافحة التحرش الجنسي إنشاء مكتب التكافؤ المؤسسي ليتيح تقديم التقارير مباشرة إلى مكتب رئيس الجامعة وتلقي الشكاوى من جميع أعضاء مجتمع الجامعة، وتلقى كل فرد من أفراد المجتمع تدريبا عبر الإنترنت يهدف إلى رفع مستوى الوعي بالتحرش.
تناول المتحدثون أشكال التحرش المتعددة في المجتمع، حيث تقول فاطمة خفاجي: "إن التحرش لا يكون بالضرورة بسبب دافع جنسي، ولكن قد يكون بسبب لون البشرة، أوالعرق، أو الدين أو الاختلاف في الطبقة الاجتماعية. قد يطلق البعض على تلك الأشكال من التحرش نوع من التنمر، ولكن عدم قبول الأخر يؤدي إلي التحرش وأحيانا العنف."
وتقول هانيا الشلقامي أن التحرش هو نوع من أنواع العنف غير المطلوب، وهو لا يحدث في الشارع فقط بل في البيوت وبين الأفراد الذين تربطهم علاقات ببعض.
كما تشير سارة عزيز إلي استخدام بعض الأشخاص سلطتهم على الأخرين لممارسة التحرش، "حيث يقوم شخص باستخدام سلطته لتهديد الأخر للموافقة على قبول فعل ما، أو إقناعه كمثال على القيام بذلك بدافع الحب."
دور التنشئة
اتفق المتحدثون على أهمية كسر أنماط النوع في فترات الطفولة لمكافحة التحرش. تشير خفاجة إلي بعض الممارسات الخاطئة في تربية الأطفال كمثال، "لا تزال الأنماط والسلوكيات التي تقوم على التمييز بين الأبناء الذكور والإناث موجودة في الكثير من الأسر في الريف. إن إتاحة الحرية المطلقة للأبناء الذكور في مقابل تضييق الخناق على الفتيات يعزز من مفهوم الأحقية لدي الأبناء الذكور ويدفعهم عند الكبر لممارسة أنواع العنف ضد المرأة كنوع من أنواع الوصاية."
وفي كثير من الحالات التي شهدتها عزيز في مجال عملها، وجدت أن الأطفال الذكور اللذين تعرضوا للتحرش يجدوا صعوبة في التعبير عن مشاعرهم لأهلهم، "نتيجة لبعض الأنماط المجتمعية والتي تشجع كمثال علي ترديد أن "الرجال لا يبكون" للأطفال الذكور، فيتجه هؤلاء الأطفال لكبت مشاعرهم ولا يشاركون ما تعرضوا له مع أهلهم."
الجائحة والتحرش
ألقت الجائحة بظلالها على كثير من ضحايا التحرش والعنف، حيث تقول عزيز أن الكثير وجدوا أنفسهم في حجز في منازلهم مع المتحرشين وذلك لقيود الإغلاق وقت الجائحة، "فنسبة 93% من المراهقين والأطفال هم ضحايا تحرش من فرد من عائلتهم، أو جار أو صديق."
وتقول خفاجة مما لا شك فيه أن الجائحة أدت إلى زيادة معدلات العنف ضد المرأة، خاصة عبر الإنترنت، ومع زيادة أعداد المستخدمين زادت حالات التهديد والتحرش عبر الإنترنت."
وعلى الرغم من ذلك، أشارت المتحدثات إلى بعض الأمور الإيجابية، حيث تقول عزيز:"عندما زادت تلك الحالات، زادت أيضا برامج التوعية، مثل البرامج التي قام بها المجلس القومي للمرأة لمكافحة التنمر مؤخرا. يجب أن نعترف بأن هناك توعية أفضل وأنه على الأقل لدى العائلات المصرية استعداد الأن للاستماع إلي أبنائهم."
أفكار وتوصيات لمكافحة التحرش
تؤكد خفاجة على ضرورة تشديد العقوبات على المتحرشين وتسهيل إجراءات الإبلاغ عن التحرش، خاصة مع عدم توفر بيانات وأرقام تعكس عدد الحالات الحقيقية للتحرش مما يؤدي إلي عدم معرفة حجم الظاهرة. يجب زيادة عدد الخطوط الساخنة لتلقي الشكاوى وزيادة عدد البيوت الأمنة لمساعدة الناجيات من العنف بما يتناسب مع عدد السكان، فلكل 100 ألف سيدة، لابد من وجود بيت أمن. يجب على النساء أن يعملن معا للقضاء على هذه الظاهرة، وعندما يفعلن ذلك، سنجد التغيير المطلوب."
ترى عزيز أيضاً أن التغيير يبدأ من المرأة، "عندما تغير المرأة صورتها الذهنية عن نفسها، ينعكس ذلك على طريقة تربيتها لأطفالها. إذا اعتقدت أنها أقل من الذكر، سينعكس ذلك على أطفالها." كما تؤكد علي ضرورة تغيير فكرة الخجل من التحدث عن التحرش، "يجب أن يشعر المتحرش بالخزي وليس نحن."
كما تري عزيز ضرورة تقديم تدريب في المدارس لكل الأفراد المعنيين بالتعامل مع الأطفال، "يجب أن ندربهم علي معني التحرش، واكتشاف ومساعدة الأطفال الذين قد يكونوا تعرضوا للتحرش، وعندما نقوم بذلك نقوم بزيادة الوعي."
وبالإشارة إلى دور الأسرة، تقول الشلقامي إن الأوقات قد تغيرت. ولا يمكن أن يقوم الأهل بالوعظ فقط بل عليهم أن يتفهموا تفكير أبنائهم. كلنا الأن نعيش حياتنا من خلال الإنترنت، ولا يقوم الأهل فقط بتربية أبنائهم، فدور العائلة يتضائل. لذا أصبح من الضروري تعزيز ثقة الأبناء وخلق مساحة للحوار، وإيجاد طرق للنقاش معهم بدون افتراض أننا نملك الإجابات الصحيحة." كما تؤكد الشلقامي علي ضرورة وجود دعم نفسي للطلاب في المدارس من خلال المستشارين النفسيين أو الاجتماعيين للتحدث عن مشاكلهم وتبادل الأراء معهم.
تستمر سلسلة حوارات "لازم نتكلم" حتى شهر يونيو 2021 وتتناول العديد من القضايا الهامة الخاصة بالتحرش منها تناول وسائل الإعلام والسينما للتحرش، تحقيق الأمان للمرأة في الأماكن العامة، والخصوصية في عالم الانترنت، ومواجهة التحرش بكفاءة في الجامعات، وتحقيق الأمان والشمولية والتنوع في أماكن العمل والإطار القانوني والتشريعات لمواجهة العنف ضد المرأة.