تأثير الاحتباس الحراري على جودة مياه النيل
تكمن خطورة الاحتباس الحراري في مصر في ارتفاع مستوى سطح البحر مما يشكل خطراً على المدن الساحلية مثل الإسكندرية ودلتا النيل، إلا أن هناك خطورة أخري تتمثل في انخفاض مستوي تركيز الأكسجين المذاب في نهر النيل، والذي يؤدي إلى تدهور جودة المياه، وتعرض بعض أنواع الأحياء المائية لخطر الانقراض، وانخفاض الإنتاج السمكي والزراعي للبلاد.
يعد الأكسجين المذاب أساسياً لبقاء الحيوانات والنباتات على قيد الحياة، إلا أن تركيزه ينخفض في المياه الدافئة، ويمكن أن يكون لذلك آثار سلبية شديدة على الكائنات النهرية. تقول شيرين البرادعي، مدرس في قسم الهندسة الإنشائية والمعمارية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، "حينما تنخفض مستويات الأكسجين المذاب، تتعرض بعض الكائنات الحية والنباتات النهرية لخطر الانقراض أو قد تختفي تماماً، وهو الأمر الذي يؤثر بدوره على النظام البيئي بأكمله."
سجلت البرادعي قراءات لدرجات حرارة الهواء للفترة من عام 1990 وحتى 2012، أي 23 عام، لمحاكاة تركيز الأكسجين المذاب، وذلك في مركزي أبحاث في الإسكندرية والأقصر. تمت محاكاة درجات حرارة المياه ومستويات الأكسجين المذاب خلال شهري أغسطس وفبراير حينما يكون تدفق نهر النيل هو الأكثر والأقل على التوالي وفقاً للبرادعي. حصل بحث البرادعي بعنوان "Effects of Global Warming on Critical Dissolved Oxygen Concentrations and on DO Sag Curve in the Nile River"، حول آثار الاحتباس الحراري على تركيز الأكسجين المذاب ومنحنى انخفاضه في نهر النيل، على جائزة أفضل بحثBest Session Paper في مؤتمرInternational Conference on Biological, Civil and Environmental Engineering والذي عُقد بالإمارات العربية المتحدة في الربيع الماضي.
أثبتت البرادعي حدوث انخفاض في تركيز الأكسجين المذاب في فترة الثلاثة وعشرين عام، وهي فترة الدراسة، وفقاً للبرادعي. فقد انخفض تركيز الأكسجين المذاب في الأقصر بنحو 3.8% في فبراير و4% في أغسطس، بينما انخفض في الإسكندرية بنحو 1.4% في فبراير و5.4% في أغسطس. تؤكد البرادعي "هذا يثبت أن الاحتباس الحراري له أثر سلبي على تركيز الأكسجين المذاب في نهر النيل، وبالتالي، على جودة المياه."
وبالتواز مع انخفاض مستويات الأكسجين المذاب، كان هناك ارتفاعاً واضحاً في درجات حرارة مياه النهر في فترة الدراسة. فقد بلغ متوسط درجة الحرارة في الإسكندرية 29 درجة مئوية في عام 1990، وبحلول عام 2012، كانت قد ارتفعت إلى 31 درجة مئوية. أما في الأقصر، بلغت درجة الحرارة 39 درجة مئوية في عام 1990 وارتفعت إلى 41 درجة مئوية بحلول عام 2012. تقول البرادعي "كنا نسجل أقصى درجة حرارة في اليوم حيث تعكس الآثار الحقيقية للاحتباس الحراري. تشير النتائج إلى أن آثار الاحتباس الحراري قد انعكست في ارتفاع درجة حرارة الهواء في فترة الدراسة، وكنتيجة لذلك، ارتفعت درجة حرارة مياه النهر. وقد أدى هذا بدوره إلى انخفاض تركيز الأكسجين المذاب في النهر."
وبالإضافة إلى الخطر الذي يشكله ذلك على بقاء النباتات والأسماك النهرية، إن انخفاض مستويات الأكسجين المذاب في النيل يعني أنه لا يمكن استخدام المياه في بعض المحاصيل الزراعية. توضح البرادعي "لا يمكن استخدام المياه ذات التركيز المنخفض من الأكسجين المذاب في ري المحاصيل الغذائية، مثل القمح، فيمكن استخدام مثل هذه المياه فقط في المحاصيل غير الغذائية، مثل الحشائش."
ولكي تكون المياه صالحة للاستخدام الآدمي يجب أن يكون للأكسجين المذاب تركيزاً محدداً، ويجب أن تتم معالجة المياه في مصنع مخصص لذلك. تضيف البرادعي "حينما يقام مصنع لمعالجة المياه في موقع ينخفض فيه الأكسجين المذاب، لابد وأن تضاف الكثير من الكيماويات إلى المياه لكي تصبح صالحة للاستهلاك الآدمي، ولكن هذا بدوره يؤثر على الصحة، فضلاً عن كونه إجراءً مكلفاً للغاية."
يوضح تقرير التنمية البشرية لعام 2014 أن التغيرات المناخية سيصبح أثرها بالغاً تدريجياً، خاصة وأن الثلاثة عقود الماضية كان سطح كوكب الأرض يزداد دفئاً عن أي عقد آخر منذ عام 1850. فقد تكون الآثار الناجمة عن ذلك على المدى الطويل آثار نهائية، حيث يذكر التقرير أن 15% - 40% من ثاني أكسيد الكربون المنبعث سيظل عالقاً في الهواء لمدة تزيد عن 1000 عام، وبالتالي سيؤثر على نسبة ارتفاع مستوى سطح البحر حول العالم.
تقول البرادعي، لمكافحة آثار الاحتباس الحراري في مصر، "يجب أن يقل حرق قش الأرز في مصر لأنه يتسبب في ارتفاع الحرارة، بالإضافة إلى العمل على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من السيارات والمصانع. ويجب أن يشرع الناس في الانتقال إلى المدن الجديدة والكبيرة لأن المعيشة في المناطق ذات الكثافة السكانية ستتسبب في إحداث المزيد من الانبعاثات الحرارية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نضع في الاعتبار الآثار المحتملة للاحتباس الحراري على نسب تركيز الأكسجين المذاب في نهر النيل وذلك عند اختيار مواقع لإقامة مصانع معالجة المياه، حيث أن اختيار الموقع الصحيح والمناسب قد يؤدي إلى تقليل الآثار السلبية على المياه. فإذا لم يتم الانتباه لذلك قبل البدء في إقامة المصنع، سيكون تغيير موقعه أمراً مكلفاً للغاية."
تضيف البرادعي "تعتبر مصر من أكثر الدول المعرضة لآثار ومخاطر التغيرات المناخية، برغم أن الانبعاثات الصادرة تشكل أقل من 1% من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة في العالم. توضح العديد من الدراسات أن نهر النيل شديد التأثر بالتغيرات التي تحدث في الحرارة والترسيب، لذا، علينا أخذ بعض الخطوات الإيجابية لمعالجة هذه المشكلة المهمة والملحة ومكافحتها، أو على الأقل، التخفيف من آثارها."