ابتكارات النانو: خطوات صغيرة ونتائج كبيرة
تشير الدراسات أن انخفاض معدل استبدال السيارات عن الماضي يعني ارتفاع متوسط عمر السيارات بصورة ملحوظة.
وفقاً إلى شركةIHS Automotive لتحليل أسواق السيارات، فقد بلغ متوسط عمر السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية 11.4 سنة لتكون أعلى من أي وقت مضى في نهاية عام 2013، ومن المتوقع ارتفاعه ليبلغ 11.7 سنة بحلول عام 2019. وفي المملكة المتحدة، بلغ متوسط عمر السيارات 7.7 سنة، وذلك وفقاً للدراسة التي أجرتها جمعيةSociety of Motor Manufacturers and Traders التي تدعم وتشجع صناعة السيارات في المملكة المتحدة وفي الخارج. وفي كندا، يصل متوسط عمر السيارات 9.26 سنة وفقاً لجمعيةAutomotive Industries Association of Canada المتخصصة في السوق الثانوية لصناعة السيارات. أما في مصر، يبلغ متوسط عمر السيارات عشرات من السنين. وبالرغم من أن هذا قد يعود جزئياً إلى الظروف والمعوقات المالية، إلا أن الخبراء يؤكدون أن الارتفاع في المتوسط العمري للسيارات الحديثة يعود إلى حد كبير إلى جودتها العالية وزيادة قوة تحملها.
يعتمد العمر الافتراضي للسيارة على عدة عوامل والتي تتضمن كيفية قيادة السيارة وصيانتها، بالإضافة إلى المكونات عالية الجودة التي تصُنع السيارات منها والتي تعتبر ضرورة لتقليل حجم الاستهلاك الناتج عن الاستخدام العادي. ونتيجة لذلك، تزايد استخدام المنتجين لمركبات أو جزيئات النانو في تصنيع المكونات الميكانيكية للسيارات، والحافلات، والقطارات، والطائرات، وحتى المكوكات الفضائية، والتي تُحسن الخواص الميكانيكية لهذه المكونات بصورة شاملة، بالإضافة إلى زيادة قوة تحمل هذه المَركبات حيث يصبح عمرها أكثر طولاً، وتكون غير مهدرة للتكلفة، وأخيراً، تكون أكثر أماناً.
توضح هنادي سالم، أستاذ الهندسة الميكانيكية، ومدير برنامج الدراسات العليا في تكنولوجيا النانو بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، "إن التروس الموجودة في السيارة تكون عرضة للاحتكاك معاً كنتيجة للاستخدام المنتظم لها مما يتسبب في حدوث تآكل خفيف أو شديد للمكونات. وتُبلى المكونات الميكانيكية بمرور الوقت بسبب تآكل الأسطح التي يتم الاحتكاك بها والتي تكون الأخف والأضعف، أي إزالة الطلاء أو التآكل الهيكلي المرتبط بالحرارة المفرطة التي يسببها الاحتكاك. وتقدم مركبات النانو التي تتميز بالمقاومة العالية للبلي والتشحيم الذاتي بديلاً أكثر تحملاً ويمكن الاعتماد عليه عن أجزاء المحركات التقليدية."
توضح سالم أن هذا الحديث يندرج تحت علم الاحتكاك، وهو مجال متعدد التخصصات يضم علوم المواد والهندسة الميكانيكية، حيث تتم دراسة تفاعل الأسطح المتحركة معاً، وتطبيق مباديء الاحتكاك، والتشحيم، والبلي.
بالإضافة إلى زيادة قوة التحمل، توضح الدراسات أن تكنولوجيا النانو ستصبح جزءً أساسياً من صناعة السيارات في المستقبل. أجرت شركةHelmut Kaiser Consultancy للاستشارات والأبحاث، دراسة عالمية تحت عنوان "سيارة النانو"، حيث أشارت إلى توقعات بحدوث تغيرات في صناعة السيارات في الأعوام 2008، و2010، و2015 من خلال دمج تكنولوجيا النانو في صناعة السيارات داخل 70 شركة منتجة للسيارات حول العالم. فقد توصلت الدراسة إلى أنه في خلال عشرة أعوام ستؤثر تكنولوجيا النانو على تصميم وصناعة السيارات، وسيارات النقل، والحافلات، والمَركبات الأخرى بنحو 60% من حيث تصغير الحجم، واستخدام مواد أخف وأقوى، وأنظمة جديدة للطاقة. هذا، وقد أوضحت الدراسة أن جميع أجزاء المَركبات تقريباً ستستفيد من تكنولوجيا النانو، من المحرك، ونظام نقل السرعات، ونظام التعليق، والفرامل، والشاسيه، إلى المرايات، والألواح الجانبية، والإطارات، والطلاء.
يري الخبراء أن استخدام تكنولوجيا النانو في صناعة السيارات سينتج عنه تصميمات انسيابية للسيارات وسهولة في التصنيع، ومحرك ونظام تعليق وهيكل خارجي أخف، ومواد أقوى، وتحسن جودة الطلاء نتيجة لاستخدام طلاء مقاوم للخدش، بالإضافة إلى ذلك، يكون استهلاكها للوقود أقل، وتكون غير مهدرة للتكلفة. وتشير دراسة "سيارة النانو" إلى أنه "لابد من استخدام تكنولوجيا النانو في شركات تصنيع السيارات. فقد تعتمد المنافسة، بعد العشرة أعوام القادمة، على تطوير وتطبيق تكنولوجيا النانو في صناعة السيارات."
يعتبر تقليل التآكل والصدأ من الخواص الأساسية لمواد أو مركبات النانو، والتي تُستخدم في إنتاج مكونات المَركبات. ويحدث ذلك عن طريق زيادة الصلابة وتخفيف درجة حرارة الطلاء، بالإضافة إلى صناعة مكونات ميكانيكية ذاتية التشحيم. تقول سالم، التي قدمت هذه النتائج في الاجتماع والمعرض الصناعي السنويTMS 2013 بالولايات المتحدة الأمريكية، والذي يعد من المؤتمرات الدولية الرئيسية للعلماء والمهندسين المهتمين بالمواد المستخدمة في الصناعات المختلفة، "إن إنتاج أجسام صلبة ذاتية التشحيم يؤدي إلى تقليل الاحتكاك الذي يحدث بين سطحين، وذلك بدون الحاجة إلى وجود سائل ما. وتعتبر المواد ذاتية التشحيم ضرورية للمكونات التي تتعرض لحرارة مرتفعة وظروف قاسية أثناء التشغيل، مثل المواد المتواجدة في المحركات المتطورة في بعض الطائرات والسيارات."
ومع ذلك، قد تضيع الفوائد الموجودة بالمواد التي تحتوي على مركبات النانو أثناء عملية التصنيع. وبالتالي، يعمل الباحثون على إيجاد طرق جديدة لإنتاج مواد النانو التي تتمكن من الاحتفاظ بخصائصها أثناء عملية التصنيع والتشغيل. تقول سالم "تعتبر واحدة من أكبر المشكلات التي نواجهها مع المواد التي تحتوي على مركبات النانو، وخاصة المعدنية، أنه أثناء عملية التصنيع تصبح خشنة التكوين. إن حدوث تلف في مركبات النانو يعني فقدان الفائدة أو الميزة الأساسية لاستخدام مركبات النانو مقابل المواد التقليدية في التصنيع. وبناءً عليه، يعد التحدي الرئيسي هو احتفاظ مركبات النانو بخصائصها أثناء عملية التصنيع وذلك للحصول على الأداء الممتاز المرغوب فيه أثناء التشغيل."
ومن أجل معالجة هذه المشكلة، يعكف العلماء على تطبيق أساليب وتقنيات مختلفة في عمليات التصنيع للحفاظ على الأداء العالي والثقة العالية للتكوين الداخلي لمركبات النانو. تقول سالم "يعكف فريقي البحثي على دمج عدة مساحيق معاً، والتي تكون مناسبة للمكونات المقاومة للبلي، والتي يمكن استخدامها في محركات الطائرات والسيارات، والطلاء المقاوم للخدوش، والطوب العازل المستخدم في محطات اندماج الطاقة النووية، وأدوات الماكينات التي تشكل وتقطع الأجزاء المعدنية. وتضيف سالم أن فريقها يستخدم أيضاً تقنيات متطورة، لصهر المساحيق وتحويلها إلى مادة صلبة كثيفة عن طريق وضع المسحوق في قالب (أو مكعب) ثم تمرير تيار كهربائي يصاحب ذلك ضغط ميكانيكي، وذلك في تصنيع مكونات النانو الميكانيكية عالية الأداء.
يعتبر إيجاد وسائل التصنيع التي تمكن مختلف المكونات الميكانيكية من الحفاظ على خصائص النانو المقاومة للبلي بصورة فائقة هو جانب واحد فقط من المشكلة. فإن تعرض مركبات النانو لحرارة مفرطة أثناء التشغيل يهدر فوائدها. تقول سالم " من أجل حماية المواد التي تحتوي على مركبات النانو من التعرض لحرارة مفرطة، نستخدم مركبات النانو الخزفية التي تتيح تصنيع مكونات ميكانيكية تكون أكثر صلابة بنحو أربعة أضعاف ودرجة حرارة أعلى للتليين مقارنة بالمواد التقليدية، وبالتالي يكون لدى هذه المكونات مقاومة أكبر للبلي والاحتكاك."
وبالإضافة إلى استخدام مركبات النانو الخزفية، فإن الطلاء يؤدي إلى عزل المواد كي لا تتعرض لحرارة مفرطة، وبالتالي تمكنها من الحفاظ على تكوينها النانوي. ومع ذلك، وللتأكد من أن هذا الطلاء يؤدي وظيفته بفعالية أي "مقاومة البلي بصورة فائقة"، كما تطلق سالم عليه، لابد من الحصول على الخليط الأمثل من الصلابة وقوة الطلاء. وانطلاقاً من ذلك، تعمل سالم وفريقها على معالجة الطلاء بالليزر كطريقة جديدة للتخلص من المسامية وإنتاج طبقة سطحية متجانسة من الطلاء المانع الحراري.
تقول سالم "في مجال صناعة السيارات والطائرات، يوجد طلب متزايد على تحسين الكفاءة ، وهنا يأتي دور تكنولوجيا النانو. يعد هدفنا المطلق هو إطالة عمر محركات السيارات والطائرات والقطارات، مع التقليل من احتمالات توقفها، وبالتالي تنخفض تكاليف صيانة هذه المَركبات وتتحسن خاصية الأمان فيها."