رفع درجة التوعية بمرض الصرع
اكتسب الطلاب من تلك التجربة الكثير من المعلومات والمفاهيم الجديدة بخصوص مرض الصرع، وهو مرض من الأمراض العصبية التي تصيب حوالي 65 مليون شخص في جميع أنحاء العالم. وفي بعض البلاد يلصق المجتمع وصمة بهؤلاء المصابين بمرض الصرع ويصفهم بأنهم واقعين تحت تأثير السحر والشعوذة ، وتتصور تلك المجتمعات أن مرض الصرع من الأمراض المعدية. وتقول هنا مندور، طالبة بالسنة الأولى بالجامعة: "لقد قرأت كثيراً عن الوصمة التي تُلصق بالأطفال المصابين بمرض الصرع، إلا أنني لم أستوعبها أو أصدقها بشكل تام إلا عندما رأيتهم شخصياً. فعندئذٍ أدركت خطأ الفكرة التي كونتها عنهم وذلك برغم أنني لم أتعامل من قبل بشكل مباشر مع طفل من الأطفال المصابين بمرض الصرع."
قام الطلاب في أعقاب هذه الزيارة بتنظيم حملة داخل حرم الجامعة للتوعية بمرض الصرع وذلك بدعم من شركة نولا لإنتاج الكيك التي قامت بجمع تبرعات وصلت إلى 3625 جنيه وقامت بإنتاج فيديوهات لوصف الوصمة التي تُلصق بمرضى الصرع. وتضمن المشروع إبرام اتفاقية تعاون مع طلاب الجامعة الأمريكية ببيروت الذين يشاركون أيضاً في مشروعات التعلم المجتمعي الخاصة بالأشخاص من ذوي الإعاقة، وتُوج ذلك التعاون عندما قام مارك ميخائيل، مدرس مادة الكتابة بقسم البلاغة والتأليف ووفد من الطلاب بعرض أعمالهم في احتفال الكتابة السنوي الذي تقيمه الجامعة الأمريكية ببيروت.
كانت الجهود المبذولة كلها ضمن دورة دراسية خاصة بالكتابة وتهدف أساساً إلى تعليم الطلاب كيفية كتابة الأبحاث، وكانت زيارة الطلاب لمستشفى العباسية جزءً من مادة التعلم المجتمعي. ويوضح ميخائيل: "لقد استخلص الطلاب من خلال زيارتهم لمستشفى العباسية فهماً عميقاً لأساسيات البحث، بحثاً يهدف إلى فهم قضية من القضايا، بحثاً لفهم جمهور معين من الناس، وبحثاً من أجل تحقيق غرض محدد. وعمد الطلاب إلى خلق نوع من الجدل البحثي في صورة فيديوهات تستهدف أساساً الأطفال المصابين بالصرع أو القائمين على رعايتهم وصولاً إلى دعم عملية تقبلهم لظروفهم المرضية وبالتالي الامتثال للعلاج الطبي الذي يتلقونه."
تذكر مندور أن هذه المادة الدراسية منحتها فهماً عميقاً لكثير من القضايا ومنها قضية مرض الصرع على سبيل المثال وذلك من خلال استخدام أنماط مختلفة للبحث. وتوضح مندور: "لقد تعلمت من خلال مادة البلاغة أهمية كل نمط من أنماط البحث سواء كان بحثاً لا يتسم بالرسمية، أو كان بحثاً اكاديمياً، أو كان بحثاً أولياً. وتعلمت أيضاً أن كل أنماط البحث تكمل بعضها بعضاً وأننا نستطيع من خلال إعمال كل أنواع البحث معاً خلق صورة أوضح ومفهوماً أقوى لموضوع من الموضوعات. فمثلاً ساعدني نمط البحث الاستكشافي على فهم الموضوع بصورة عميقة، ومنحني القدرة على الإلمام بكل تفاصيل الموضوع وتقييمه بصورة واضحة."
يذكر ميخائيل أن هذه المادة الدراسية تشجع الطلاب بصورة كبيرة على أن يصبحوا "مواطنين فاعلين" وذلك من خلال تبني مفهوم التعلم المجتمعي، وهو أحد المفاهيم المطبقة في طريقة التدريس بالجامعة منذ 2008 وصولاً إلى دمج مفهوم الخدمة العامة داخل المنهج الدراسي الأكاديمي المقدم للطلاب، وذلك بالإضافة إلى اكتساب خبرة كبيرة بطرق البحث وأنماطه. ويقول ميخائيل: "تعتبر طريقة التعلم المجتمعي من طرق التدريس المفضلة، فنحن ببساطة نعلم الطلاب كيفية التفكير بصورة نقدية وكيفية أن يكونوا مواطنين صالحين. وهذه هي نوعية الإنسان الذي تهدف الجامعة إلى تكوينه وإخراجه للعالم."
تعترف مندور بكم التغيير الذي حدث بداخلها بعد التجربة التي عاشتها في مستشفى العباسية وتقول: "لم اكن منخرطة بشكل كبير في العمل العام لأني كنت أظن أنه لا يوجد لدي الوقت الكافي لممارسته، لكني ذهبت إلى مستشفى العباسية لأن ذلك كان مطلوباً مني كطالبة تدرس مادة البلاغة، وبمجرد دخولي إلى هناك تغير كل شيء أمام عيني. فقد رأيت الابتسامة التي كانت تعلو وجوه هؤلاء الأطفال عندما نقرأ لهم قصة من القصص أو نطلي وجوههم بالألوان، وتحرك شيء كبير بداخلي. فقد أدركت في هذه اللحظة بالذات أن هناك أشياء في الحياة أكبر وأهم بكثير من مجرد الحصول على تقدير مرتفع في المواد الدراسية التي أخترتها."
استطاع طلاب الجامعة من خلال مفهوم التعلم المجتمعي التأثير بصورة إيجابية في حياة هؤلاء الأطفال، فقد مارسوا معهم مختلف الألعاب، وقرأوا الكتب والقصص لهم، ومنحوهم السعادة بتلوين وجوههم ورسمها بالألوان الزاهية. ويقول ميخائيل: "تواجد في ذلك اليوم حوالي أربعون طفلاً بذويهم وخمسون طالباً، كان لدينا تسعين شخصاً يحركهم الأمل، أشخاصاً تبدلت حياتهم اليومية لأنهم وجدوا ببساطة من يهتم بهم. وقد فهم طلاب الجامعة من خلال هذه التجربة أن هؤلاء الأطفال لا يختلفون عنا في شيء وأحس الأطفال بالتالي أنهم لم يعودوا "موصومين" أو "غرباء" في هذا المجتمع."
تذكر مندور أيضاً أن تلك النوعية من التجارب قد ساهمت بشكل كبير في تغيير الكثير من المفاهيم التي كانت مزروعة في قلوب وعقول الكثيرين بشأن طلاب الجامعة الأمريكية. وتقول: "حتى طلاب الجامعة كانوا "موصومين"، فقد كانت الفكرة السائدة عن طلاب الجامعة أنهم يتسمون بالتفاهة ولا يهمهم إلا أنفسهم ولا يعنيهم إلا قضاء الأوقات السعيدة وإقامة الحفلات. فقد كان العامة يعتقدون أننا نعيش في عالم بعيد خاص بنا وأننا لا يعينا ما يحدث للآخرين ولا يعنينا ما يجري في العالم المحيط بنا. وأعتقد لذلك أنه من المهم لطلاب الجامعة الانخراط بشكل أكبر في العمل المجتمعي لأن ذلك من شأنه تغيير الصورة التي رسمها المجتمع لطلاب الجامعة الأمريكية."