التعلم المجتمعي يوسع المدارك ويزيد التفاهم الاجتماعي
تقوم ريم ضيف، طالبة في الجامعة اتخذت علم النفس كتخصص أساسي ودراسات التنمية كتخصص فرعي، بزيارة أحد ملاجئ الأيتام كل سبت لتعليم أطفال الملجأ الذين يعانون من صعوبات التعلم بعض أساسيات اللغة العربية، والحساب، وبعض المهارات العامة وذلك من خلال المشروع الذي تتبناه منظمة "وطنية" غير الحكومية. وقد اعتادت ضيف على هذا الروتين الأسبوعي خاصة وأنه يخدم مادة تنمية العالم الثالث التي تدرسها، وهو فصل دراسي للتعليم المجتمعي يشجع الطلاب على العمل في مشروعات تخدم المجتمع بصورة أساسية ومعرفة المزيد عن نظريات التطوير المعاصرة.
تقول ضيف: "لقد اخترت العمل في أحد ملاجئ الأيتام تحقيقاً لقناعة لديٌ بأن أفضل طريقة لتحقيق التنمية في أي مجتمع تبدأ بتطوير الأشخاص. فأنا أشعر أن الأطفال هم أهم قطاع من قطاعات المجتمع ولبنة أساسية في بناء المجتمع، لأنك إذا علمت كيف تربي هؤلاء الأطفال على النحو الصحيح، فإنك بذلك تكون قد حققت نوعاً من التنمية على المدى البعيد."
تعلمت ضيف الكثير والكثير من تفاصيل العمل التنموي من خلال زيارتها الأسبوعية لملجأ الأيتام. وتقول ضيف: "في الفصل الدراسي نناقش قضايا ونظريات دولية، إلا أن معظم تلك النظريات لا نجد لها صدى على أرض الواقع. ووجدت أن الانخراط في العمل الميداني يقف في مواجهة تلك النظريات ويقوضها من الأساس، فالمذكور في الكتب لا يمت بصلة إلى أرض الواقع."
تمثل مادة تنمية العالم الثالث التي تدرسها ضيف أحد المواد الدراسية التي تقدمها الجامعة والتي تُعنى بالتعليم المجتمعي وتعمل على التلاحم والتكامل بين خدمة المجتمع والمنهج الدراسي الذي يُقدم للطلاب. وقد تأسس برنامج التعليم المجتمعي في 2008 وتم تطبيقه على العديد من الفصول الدراسية التي تقدمها الجامعة بدءً من برامج العلوم وانتهاءً ببرامج الفنون.
أحد البرامج الأخرى المعنية بالتعليم المجتمعي هى اقتصاديات العمل، والتى تهتم بتشجيع الطلاب على العمل في المناطق والمجتمعات المحرومة. وتقوم منى سيد، أستاذ مساعد في الاقتصاد، بتدريس هذه المادة، واستطاع الطلاب من خلال دراسة هذه المادة العمل مع العديد من المنظمات التي تعمل كحلقة وصل بين الباحثين عن العمل في منطقة عين الصيرة وأرباب العمل ونجحت في توظيف الكثير منهم مما كان له أكبر الأثر في تشجيع عدد كبير من الشباب على العمل وترك حياة البطالة. واستطاع الطلاب من خلال هذه الطريقة اكتساب المزيد من الخبرة فيما يتعلق بالمشكلات التي تواجه العاطلين عن العمل في مصر، بالإضافة إلى تعلم الكثير عن اقتصاديات العمل عن طريق خدمة شريحة كبيرة من المجتمع المصري. وتذكر سيد: "أعتقد أنه من المهم جداً أن يتعرف الطلاب منذ البداية على التحديات التي تواجههم في دراستهم الأكاديمية وذلك فيما يتعلق بضرورة إحداث نوع من التوازن بين الفهم النظري والتطبيق العملي للمعرفة. فإذا لم يكن ضمن مخططاتهم الاستمرار في الدراسة الأكاديمية، نكون على الأقل ساعدنا في منحهم خبرة كبيرة يمكن تطبيقها في مستقبلهم العملي."
تعمل العديد من فصول التعليم المجتمعي على تشجيع الطلاب على خدمة المجتمعات القريبة من أماكن سكنهم. وقد احتذى الطلاب بحسام الدين عطية، مدرس في قسم تدريس اللغة الإنجليزية بالجامعة، واتخذوا من مبادئه وممارساته في تدريس مادة اللغة الإنجليزية نبراساً لهم، وعملوا على تعليم اللغة الإنجليزية لعمال الجامعة.
يوضح عطية: "قام الطلاب في بداية الفصل الدراسي بفتح فصل لعمال الجامعة وذلك لتعليمهم اللغة الإنجليزية وفقاً للمنهجيات التي درسوها. وقد كان هناك العديد من العمال الذين كانوا يشعرون بغاية الامتنان والسعادة لوجود مثل هذا الفصل الخاص بتعليمهم، وأحب معظمهم مادة اللغة الإنجليزية بسبب ذلك، بل كان بعضهم لا يكتفي بوقت الدرس الأصلي ويستمر في الأسئلة والتعلم بعد انتهائه."
انتقلت عدوى الحماس بالتالي من العمال إلى الطلاب. تقول ريم هاشم، طالبة في السنة النهائية بقسم علم النفس: "لقد كان التزام العمال رائعاً ومثيراً للدهشة، وذلك أعطاني شخصياً دفعة كبيرة لتجويد العمل الذي أقوم به وتدريسهم على أفضل نحو ممكن." تعترف آية غراوي، طالبة بالسنة الثانية بكلية إدارة الأعمال، أن تدريسها اللغة الإنجليزية للعمال قد مكنها من اكتساب مهارات كثيرة، وتقول: "لقد علمني تدريس العمال الصبر، وخلق مني معلماً أفضل، وجعلني أقدر على تقديم وعرض الموضوعات."
لا تعمل فصول التعليم المجتمعي على توسيع مدارك الطلاب فيما يخص المعلومات والنظريات الأكاديمية فحسب، بل تعمل أيضاً على توسيع نطاق الفهم الاجتماعي والثقافي الخاص بهم. ويوضح عطية أن الطلاب استطاعوا من خلال تدريس العمال اكتساب مفاهيم جديدة خاصة بعمال الجامعة وتكوين فكرة أعمق عنهم. ويقول: "لقد ذكر لي العديد من الطلاب أنهم لم يلاحظوا حتى وجود هؤلاء العمال في حرم الجامعة من قبل، أما الآن عندما يتقابلون معهم بالصدفة فإنهم يحيون بعضهم البعض ويقفون للتحدث قليلاً. وأعتقد أن هذه العلاقة تعد من العلاقات الصحية في مجتمع تتعدد فيه الطبقات الاجتماعية وتتفاوت بشكل كبير. ومن خلال التحام الطلاب مع العمال، استطاعوا رؤية جانب آخر من حياة هؤلاء العمال لم يكن باستطاعتهم رؤيته في أي مكان آخر."
استطاعت ضيف بالمثل اكتساب خبرة كبيرة من خلال زيارتها الأسبوعية لملجأ الأيتام وتدريس الأطفال كل سبت. وتقول ضيف: "عندما يذهب هؤلاء الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم إلى المدارس العادية فإنهم لا يستفيدون بشئ ولا يتلقون التعليم على الوجه الصحيح المناسب لحالتهم، وبعدئذ عليهم مغادرة الملجأ في سن الثامنة عشر ليصيروا من أطفال الشوارع ويتلقفهم عالم الجريمة والمخدرات. فالمجتمع بأكمله يعامل هؤلاء الأطفال بصورة مختلفة لكونهم أيتام، ويلصق بهم المجتمع وصمة لا تنمحي مع الزمن. فأنا يواجهني الآن تحدياً كبيراً، فمهمتي لا تقتصر على تدريس هؤلاء الأطفال اللغة العربية والحساب واللغة الإنجليزية فحسب، بل أن مهمتي الأساسية تتمثل في مساعدة هؤلاء الأطفال في تكوين صورة صحيحة عن الذات."
الصورة: الطلاب في فصل مبادئ وممارسات تدريس اللغة الإنجليزية يقومون بتعليم عمال الجامعة اللغة الإنجليزية.