القطاع غير الرسمي يخلق فرص عمل متردية
لا ترتبط مشكلات التوظيف في مصر بقلة عدد الوظائف المتاحة فحسب، وإنما قلة الوظائف الجيدة وفقاً لغادة برسوم، مدرس في قسم السياسات العامة والإدارة العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.
تقول برسوم "يجب أن تكون المؤشرات الخاصة بجودة الوظائف عنصراً رئيسياً في ظل وجود اقتصاد لديه قطاع غير رسمي ضخم. إن تركيز سياسات الدولة على البطالة يخفي القضايا الهامة الأخرى المتعلقة بالتوظيف في القطاع غير الرسمي لسوق العمل وجودة الوظائف المتدنية. يعتبر التوظيف في القطاع غير الرسمي أو العمل غير الرسمي هو عمل بدون تعاقد أو تأمين اجتماعي، ويكون له عواقب وخيمة على المستويين الشخصي والمجتمعي."
يكون وضع الأفراد الذين يعملون في ظل الاقتصاد غير الرسمي غير مستقراً فيما يتعلق بمستويات الدخل والشعور بالأمان الذي يصاحب وجود تعاقد عمل وتأمين اجتماعي. توضح برسوم "إن الأفراد الذين يعملون بصورة غير رسمية لا يحصلون على الحماية الكافية من مختلف المخاطر التي قد يتعرضون إليها، مثل المعاناة من المرض أو المشكلات الصحية، والعمل في ظروف غير آمنة، والتعرض لفقدان الدخل. فهذه الوظائف غير الرسمية لا توفر أي حماية للمشتغلين بها، وبالتالي إن فقد أحد الأفراد عمله، لن يكون له أي مصدر رزق. أما فيما يتعلق بالوظيفة ذاتها، فلا يحصل العاملون بها على إجازات مدفوعة الأجر، ولا تأمين اجتماعي، ولا إجازات مرضية، بالإضافة إلى عدم انضمامهم إلى نقابة ما. فإن هذا النوع من الوظائف هي وظائف خالية من جميع الحقوق."
ونتيجة للمخاطر المرتبطة بالوظائف غير الرسمية وقلة عدد الوظائف الرسمية، يستهدف معظم الشباب الوظائف الحكومية التي تضمن لهم الاستقرار، وتدر عليهم دخلاً مقبولاً نسبياً، ويحصلون على تأمين اجتماعي ومزايا أخرى. تقول برسوم "يحصل حوالي 23% من الشباب الذي يشغل وظائف رسمية على التأمين الاجتماعي، حيث يعمل معظم هؤلاء الشباب في المؤسسات الحكومية أو التابعة للقطاع العام."
ومع ذلك، لا يتاح عدداً كافياً من الوظائف الحكومية لتشغيل واستيعاب الأعداد الهائلة من الشباب العاطل عن العمل أو الذي يشتغل بوظائف غير رسمية. ويؤدي الاعتماد على الحكومة في توفير الوظائف إلى حدوث تضخم بالقطاع العام وذلك وفقاً للمقالة المقرر نشرها قريباً لبرسوم بدورية International Journal of Public Administration.
بالإضافة إلى ذلك، إن إتاحة الفرصة للاقتصاد غير الرسمي لاستيعاب هذا الكم الهائل من العاملين يخفض من الإيرادات المالية ومن القدرة على تصميم نظام ضمان اجتماعي كفء يقوم على أساس المساهمات. تقول برسوم، في مقالة أخرى من المقرر نشرها قريباً في دورية Journal of International Sociology and Social Policy، "لدينا نظام تأمين اجتماعي مثقلاً بعبء المستفيدين الطاحنين في السن والشباب لا يساهمون في ذلك لأنهم لا يعملون، وبالتالي فإن هذا الوضع يهدد بقاء واستمرار نظام التأمين الاجتماعي."
ويكمن السبب في بطالة الشباب على أكثر تقدير في عدم تمكنهم من دخول سوق العمل في الأساس. تقول برسوم "تظهر البطالة جلياً عند الانتقال من مرحلة الدراسة إلى سوق العمل،" مضيفة أنه بينما قد يتمكن الشباب من الرجال من دخول سوق العمل في نهاية الأمر، إلا أن الأمر يختلف بالنسبة إلى الشابات، حيث يكون الاحتمال الأكبر هو استسلامهن لعدم إيجاد فرصة عمل والبقاء بالمنزل.
تشير برسوم إلى أن بطالة الشباب تعتبر من المشكلات التي يواجها المتعلمين في المقام الأول لأن هذه الحالة من البطالة كثيراً ما تكون رفاهية لا يمكن للفقراء تحملها. تقول برسوم "يجب أن تكون لديك المقدرة على رفض وظيفة ما لأنك تنتظر وظيفة أفضل منها."
ويلعب النوع دوراً هنا أيضاً وفقاً لبرسوم التي أجرت بحثاً عن توظيف الشباب في مصر، ونشرته منظمة العمل الدولية. تقول برسوم "تتجه النظرة العامة نحو الشخص العادي العاطل عن العمل على كونه شاب، ويجلس بالمقاهى، ويشاهد التليفزيون أو يتصفح الإنترنت طوال الوقت، ولكن في الحقيقة، تعتبر الشابات هي الوجه الحقيقي للبطالة في مصر. يزيد معدل البطالة للشابات أكثر من خمس مرات عن الشباب من الرجال التي تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عام. وإذا ما تحدثنا عن قيم مطلقة، فإن عدد الشابات العاطلات عن العمل يزيد بنحو ثلاثة مرات عن الشباب العاطل عن العمل."
تشير برسوم إلى عدة مفاهيم خاطئة عن البطالة والبطالة المقنعة والتي ساهمت في إحباط الجهود المبذولة لإيجاد الحلول وصياغة السياسات الخاصة بمشكلة البطالة.
تقول برسوم "تُعرف البطالة بأنها الحالة التي يكون فيها الشخص قادراً وراغباً في العمل ويبحث عنه بفعالية. فإن توسعنا في ذكر هذه العبارة لتشمل والأشخاص الذين فقدوا الأمل في إيجاد فرصة عمل، والذين نشير إليهم بالعمالة المحبطة، سيؤدي ذلك إلى زيادة عدد العاطلين عن العمل بصورة ملحوظة."
بعد قيامها بتحليل بيانات مسح الانتقال من المدرسة إلى العملSchool-to-work Transition Survey ، والمعروف اختصاراً بـ(SWTS)، تلاحظ برسوم أن توسيع معيار البحث يزيد معدل البطالة لدى الشباب من حوالي 16% إلى 23%. توضح برسوم "يحدث ذلك في المناطق الريفية على وجه الخصوص، حيث تنخفض معدلات البطالة. ويعتبر معدل الأشخاص الذين لا يعملون أو يدرسون أو يتدربون، أو NEET كما يُطلق عليهم، في المناطق الريفية أعلى كثيراً عن المناطق الأخرى، كما يرتفع بنسبة أكبر بين الشابات. ويعود ذلك إلى أن بعض هؤلاء الشباب يفقدون الأمل في إيجاد فرص عمل ومن ثم يكفون عن البحث عن عمل."
توصي برسوم بإعادة تصحيح الخطاب العام الخاص بالسياسات المتعلقة ببطالة الشباب واتباع استراتيجية تعتمد على ثلاثة محاور. تقول برسوم "أولاً، نحن نحتاج لوجود مناخ اقتصادي يفضي إلى خلق المزيد من فرص العمل بظروف أفضل. وثانياً، تحتاج الحكومة إلى تقديم حوافز أفضل للقطاع الرسمي. لابد وأن يشعر العاملون بأجر بالثقة في نظام التامين الاجتماعي وأن يكونوا على دراية تامة بالفوائد المترتبة عليه. توضح البيانات الناتجة عن إجراء مقابلات مع بعض الشباب أنهم يرون أن هذا النظام لا يعتبر شفافاً بالقدر الكافي. فقد ذكر أحد الأشخاص أثناء المقابلة "أننا لا نعلم أين ينتهي المطاف بتلك الأموال." تضيف برسوم "نحن نحتاج إلى صياغة المزيد من السياسات الجديدة، مثل تنظيم بعض الحملات الإعلامية التي توضح مزايا التأمين الاجتماعي، والتي يمكن أن تساهم في تغيير آراء الناس تدريجياً.
بالإضافة إلى الحاجة إلى صياغة وتنفيذ السياسات الخاصة بالعمل في القطاع الرسمي، فإن المحور الثالث والأخير من الاستراتيجية الثلاثية يكمن في تمكين العاملين في ظل الاقتصاد غير الرسمي، لأن هذا القطاع لن يتلاشى تماماً. تؤكد برسوم "هناك حاجة ملحة لحماية العاملين في الشرائح الأدنى بالقطاع غير الرسمي عن طريق اعتماد حد أدنى من الحماية الاجتماعية للتحويلات النقدية وتنفيذ برامج المساعدات الاجتماعية. كما يوصي أيضاً بتنفيذ برامج تدريبية لتنمية مهارات العاملين في الشرائح الأدنى بالاقتصاد غير الرسمي وذلك لرفع مستوى أدائهم. هناك أيضاً اتجاه متزايد في آسيا ودول جنوب الصحراء الأفريقية لتقديم خدمات التأمين الأصغر، والتي تقدمها الجمعيات التعاونية، والمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص." وتضيف برسوم أنه حدث ارتفاع في تغطية خدمات التأمين الأصغر لترتفع من تغطية حوالي 78 مليون شخص إلى أكثر من 500 مليون شخص بين عامي 2008 و2012، وذلك وفقاً لمنظمة العمل الدولية.
فمن خلال تنفيذ الاستراتيجية ذات المحاور الثلاثية، فضلاً عن التركيز بوجه خاص على قضايا المرأة واشراك الشباب في عملية صناعة السياسات، يمكن أن تتحقق نتائج عظيمة فيما يتعلق بتحسين ظروف العمل في مصر. تقول برسوم "يجب أن يتوقف المسئولين الحكوميين وصناع السياسة عن التفكير في إطار المثال النموذجي الذي يركز على احصائيات البطالة بدون التفكير في بعض القضايا البالغة الأهمية والتي تتمثل في العمالة غير الرسمية والعمل وفقاً للنوع. فما عدا ذلك، سيكون علينا قطع شوطاً طويلاً قبل أن نتمكن من إيجاد حل لأزمة عمالة الشباب المصري."