آراء أساتذة الجامعة حول الاقتصاد العالمي وأزمة الصين وأسعار النفط
تراجعت أسعار النفط وأسواق الأسهم حول العالم نتيجة للتباطؤ الاقتصادي الذي تعاني منه الصين حالياً واضطراب أسواق الأوراق المالية العالمية، وقد أدى ذلك إلى ذيوع حالة من الارتباك والذعر بين المستثمرين الذين يهابون حدوث أزمة مالية عالمية جديدة.
يتحدث طارق سليم، رئيس قسم الاقتصاد بالجامعة، وعادل بشاي، أستاذ الاقتصاد ومدير الدراسات العليا، وأحمد كمالي، أستاذ مساعد في الاقتصاد، حول المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الصين والتداعيات الاقتصادية العالمية.
1) ساهم النمو الاقتصادي السريع الذي حدث في الصين على مدار العشرين عام الماضية في جعلها واحدة أكبر الاقتصادات على مستوى العالم وفقاً لتقارير صندوق النقد الدولي. فما السبب وراء تراجع الاقتصاد الصيني؟
سليم: بلغ مستوى نمو الاقتصاد الصيني مستويات غير مسبوقة خلال العشرين عام الماضية حتى تمكنت من تحقيق أعلى معدل للنمو الاقتصادي عالمياً، والمنافسة في مجال التجارة العالمية على أساس ميزتي التكلفة والتقليد، هذا بالإضافة إلى البنية التحتية الهائلة وسعر الصرف (اليوان( المستقر لديها. فهناك العديد من التفاسير لحدوث هذا التباطؤ الاقتصادي للصين والتي تتضمن حدوث انخفاض في قيمة العملة الصينية (اليوان) منذ أسبوعين، والتشبع الاستثماري في عرض السلع داخل السوق المحلي الصيني، وزيادة التكهنات حول حدوث حالة من الركود.
كمالي: مع حدوث مثل هذا النمو السريع والمستمر والاستثنائي في الاقتصاد الصيني على مدى العقدين الماضيين، فقد كان من المتوقع أن يتباطأ معدل النمو هذا في نهاية الأمر، إن حدوث مثل هذا الأمر يعتبر مرحلة طبيعية في الدورة الاقتصادية لأي دولة. في الواقع، إن مثل هذا النمو الهائل والقوي للصين وللأسواق الناشئة الأخرى منذ الأزمة المالية العالمية في 2007 – 2008 هو الأمر الذي أدى إلى استمرار الاقتصاد العالمي فيما بعد ذلك، ولكن كان من المتوقع تباطؤه في وقت ما. وحتى بعد حدوث هذا التراجع في الاقتصاد الصيني، يبلغ معدل النمو لديها 6% أو 7%، وهو الأمر الذي لا يزال جيداً للغاية. ولكن يعتبر المصدر الرئيسي للقلق هو القروض المرحلية أو المؤقتة hard lending، والذي يمكن أن يتسبب في حدوث هبوط في معدل النمو.
2) ما هو الدور الذي تلعبه الأزمة المالية العالمية في 2007 – 2008 في ذلك؟
بشاي: لا يمكن تفسير ما نشهده هذه الأيام بدون الرجوع إلى عام 2007. فإن ما يحدث يعد أكثر تعقيد بكثير عن مسألة "التباطؤ الاقتصادي الصيني" أو "الأزمة المالية الصينية". إن الأزمة المالية المزعومة في 2007 – 2008 لم تكن أزمة مالية بحق. فقد كان السبب الرئيسي لها حدوث تباطؤ في الاقتصاد الحقيقي real economy، وذلك وفقاً لكريم أبادير، أستاذ الاقتصاد القياسي بكلية إمبريال في لندن. إن النماذج المالية التي كان يصممها ويطبقها الفيزيائيون والمهندسون كانت صالحة التطبيق طالما يحدث نمو اقتصادي في البلاد، لكنها تصبح غير صالحة حينما يتباطأ هذا النمو. فلو كان هناك استمرارية في نمو الاقتصاد الحقيقي، لم يكن سيدور مثل هذا الحديث حول ما سُمى بالأصول المالية المسمومة. وحينما ظهرت محاولات لعلاج هذه الأزمة، تمكنت الولايات المتحدة من التعامل مع ذلك بصورة جيدة وبشكل مقبول من خلال المحفزات المالية، ولكن أوروبا تصرفت بعكس الولايات المتحدة وقامت برفع معدل الفائدة، وهو الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأزمة وحدوث المزيد من التباطؤ الاقتصادي. فقد كان يلزم تنظيم أداء المصارف المالية، ولكن هذا الأمر لا يحدث على أرض الواقع. ففي عالمنا اليوم، تنتشر الأزمة بسرعة هائلة. نحن نعلم الطلاب في علم الفيزياء أنك إذا قمت بخفض معامل الاحتكاك، سيعمل البندول بصورة أفضل. وفي الحالة الحالية، نحن نحتاج إلى حدوث احتكاك للعمل بصورة أفضل، ونعني بالاحتكاك هنا القوانين المالية اللازمة لعمل المصارف.
3) لم تسبب التباطؤ الاقتصادي في الصين في حدوث هذا الاضطراب والارتباك في الأسواق المالية العالمية؟
سليم: تعد الصين واحدة من أكبر المصدرين في التجارة العالمية، ونتيجة لارتباط الاقتصاد العالمي بصورة وثيقة، فقد أثر تباطؤ الاقتصاد الصيني على دول العالم بداية من أفغانستان إلى بيرو وألمانيا. ومع ذلك، فقد تعلم العالم من الكساد العالمي الأخير، وهو الأمر الذي أدى إلى تزايد أهمية وجود أسواق منظمة من قبل الحكومات، أو وجود مسار اقتصاد مؤسسي للتنمية.
بشاي: يمكننا مشاهدة الصورة كاملة وكأنها "قصة دولتين" وهما الولايات المتحدة والصين. فلا تزال الولايات المتحدة تعتبر أكبر اقتصاد عالمياً وهي تَعُد المشهد الآن لرفع أسعار الفائدة، مما سيؤثر على أسعار الصرف في جميع أنحاء العالم. أما الصين، فهي أسرع الاقتصادات نمواً على مستوى العالم. وكل من هاتين القوتين يعمل في اتجاه معاكس للآخر. فإن تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني لا يعني أن وضع الصين غير جيد، بل يعتبر اقتصادها على وشك أن يصبح ناضجاً، وكتعريف موسع، لن تنمو الصين بالسرعة نفسها التي بدأت بها حينما بدأت عند مستوى منخفض. ويعد ذلك من أساسيات علمي الرياضيات والاقتصاد. وسواءً قبلنا الأمر من عدمه، سنشهد هبوط في أسعار الأسهم المالية لأن هذا هو المسار الطبيعي والتصحيح للوضع الحالي. وسيؤثر هذا الوضع على العالم أجمع والأسواق الناشئة، مما قد يؤدي إلى تناقص صادرات دول العالم وانخفاض الأسعار.
4) لم تأثر الطلب على النفط وأسعاره سلباً؟
كمالي: بدأ هبوط أسعار النفط في عام 2008 أو 2009 مؤثراً على الدول المصدرة للنفط والتي لا زالت تعاني من انخفاض أسعاره. إن الوضع الحالي الذي تمر الصين به قد أدى إلى هبوط أسعار النفط، أو بمعنى أخر، انخفض الطلب على النفط بصورة كبيرة نتيجة للتباطؤ الاقتصادي للصين، إلا أن هذا الانخفاض لا يعد نتيجة مباشرة لهذا التباطؤ. هناك عوامل عدة قد تكون قد ساهمت في حدوث ذلك مثل الحرب الأوكرانية الروسية مما قد يوجد حالة من الارتباك والشك، وعليه يتأثر الطلب على النفط، هذا بالإضافة إلى الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي والذي قد يؤدي إلى حدوث المزيد من الانخفاض في أسعار النفط وذلك عند شروع إيران في تصدير النفط وبالتالي زيادة عرضه.
سليم: سيتأثر الطلب على النفط سلباً على المدى القصير، ولكن من المتوقع إعادة توازن الطلب عليه في المدى المتوسط.
5) ما هي تداعيات هذا الاضطراب في الاقتصاد العالمي على مصر والمواطن المصري؟
كمالي: حتى يتم إلغاء الدعم الحكومي على البنزين تدريجياً، لن يتأثر المستهلك المصري بصورة كبيرة بسبب التغير في أسعار النفط. ومع ذلك، فمع انخفاض أسعار النفط ووقوع دول الخليج تحت وطأة ذلك، هذا يعني أن مصر عليها البحث عن مصادر أخرى محتملة للاستثمار الأجنبي. وبالطبع، لكي يحدث ذلك، نحن نحتاج أن يسود الأمن والاستقرار وأن يتوافر مناخ جيد للاستثمار. فمع حدوث تباطؤ في الاقتصاد العالمي، سيترتب عليه انخفاض الطلب على الصادرات أيضاً. ولكن، يكمن الأمر الأكثر أهمية هنا في حرب أسعار الصرف. فقد قامت الصين مؤخراً بخفض قيمة عملتها لتحسين قدرتها على التنافس، وتقوم بعض الاقتصادات الناشئة والمشابهة بمحاكاة ذلك لأنها هذه الأطراف كافة تتنافس معاً. أما فيما يتعلق بالوضع في مصر، فتكمن المشكلة في أن الاقتصاد المصري لا يتمتع بقدرة تنافسية هائلة، ومع انخفاض أسعار عملات الاقتصادات الناشئة لدعم قدرتها على التنافس، ستتعرض مصر إلى ضربة شديدة إن لم تضع ذلك في الاعتبار. وتتشابه هذه الحالة مع أحداث الأزمة الاقتصادية الآسيوية في عام 1997، حينما حدث انهيار كبير في سوق الأوراق المالية لدول شرق آسيا. لم تتخذ مصر أية تدابير وقائية في ذلك الحين وأبقت على ثبات سعر الصرف المصري كما هو. وكنتيجة لذلك، ومع بداية القرن الحالي، عانت مصر من عجز هائل للغاية في حسابها الجاري مما أدى إلى حدوث عجز كبير في ميزان المدفوعات لديها.
بشاي: إن هذه الأزمة هي أزمة اقتصادية وليست مالية فحسب. فمن الناحية المالية، سيحدث تراجع في قيم الأسهم المالية. إن دولة كمصر، والتي تتمتع باقتصاد متنوع، يمكنها انتهاز هذه الفرصة والبحث عن صادرات جديدة وتحسين القطاع الصناعي. يمكن أن تقوم مصر بتحقيق الكثير والكثير فيما يتعلق باقتصادها المحلي. ولكن، تبقى تساؤلات حول ما سيحدث لدول الخليج في ظل الوضعين الاقتصادي والسياسي الحاليين.
سليم: قد يتأثر حجم السلع الصينية رخيصة الثمن والتي تتاح للمواطن المصري البسيط عن ذي قبل.
6) متى يمكننا توقع استقرار أو استعادة الأسواق العالمية لنشاطها؟
سليم: يتوقع غالبية الخبراء الاقتصاديين استعادة الأسواق العالمية لنشاطها خلال ربع أو ربعي عام إلا إذا كانت سياسات إعادة التوازن الأخيرة والتي اتخذتها الحكومة الصينية، مثل خفض أسعار الفائدة، ليس لديها أثار ملموس بالقدر الكافي.
كمالي: هناك فرق بين تحقيق الاستقرار والعودة إلى المسار الصحيح. إن حدوث مثل هذه الأزمات أو حالات الكساد يؤدي إلى الانحراف عن الاتجاه العام للاقتصاد العالمي. أنا أتوقع أن يعود الاقتصاد العالمي إلى المسار الصحيح بحلول عام 2018.
7) ما هي الدروس المستفادة من هذه الأزمة؟
سليم: (1) أن النمو الاقتصادي لا يتصف بالدوام، حيث يتم الوصول إلى حد الإشباع في مرحلة ما. (2) تتسم التجارة الحرة ببعض المزايا فيما يتعلق بالتكلفة والابتكار، إلا أنه تبقى هناك احتمالات حدوث دورات من التباطؤ المالي والبطالة. (3) لا تدوم التجارة المنخفضة التكلفة بدون الالتزام بمعايير الجودة الكافية. (4) يعتبر مستوى المعيشة للفرد الواحد مهم فيما يتعلق باختيارات الفرد نحو استهلاك أو توفير أمواله وهو ما يحفز دورة نمو الاستثمارات.
كمالي: إن الديون الخاصة أو العامة المتراكمة والتي لا تتطابق مع دخل الدولة تعتبر سبب رئيسي في حدوث الكثير من الأزمات الاقتصادية، وقد تؤثر على الاقتصاد لفترة طويلة بينما يعاني الاقتصاد من آلام عملية تخفيض تلك الديون.