تطبيق لطلب سيارات الأجرة: تأثير آراء المجتمع على سائقي تلك السيارات
سلطت التظاهرات الأخيرة لسائقي سيارات الأجرة أو التاكسيات الأبيض والأسود الضوء على التوترات الناشئة بينهم وبين تطبيقات الهواتف المحمولة المخصصة لطلب سيارات الأجرة، مثل Uber وCareem. بينما تتزايد شعبية تلك التطبيقات، يجادل سائقي التاكسيات المعتادة أو التقليدية أن تلك الشركات لا تخضع للقواعد نفسها التي تُطبق عليهم، فتكون تكلفة ركوب سيارات الأجرة التابعة لهذه الشركات منخفضة التكلفة، وبالتالي يؤدي ذلك إلى وجود منافسة غير عادلة. وتعتبر هذه التظاهرات جزءً من اتجاه عالمي لمقاومة مثل هذه الخدمات، ولكن ينعكس عليها طابع أكثر تعقيداً في مصر.
ومع تزايد الضغوط الناجمة عن تواجد خدمة طلب سيارات الأجرة الجديدة وتزايد حدة غضب المجتمع المصري تجاه سائقي التاكسيات، أصبح وضع هؤلاء في خطر، وذلك وفقاً لنيللي العناني، مدرس في قسم الإدارة بالجامعة.
في بحثها الأخير حول سائقي التاكسيات، تبحث العناني في الهوية الاجتماعية ووضعها في الدراسات التنظيمية، التي تفحص الطرق التي يقوم الأشخاص باتباعها لبناء الهياكل وتطبيق الممارسات التنظيمية، وكيف يساهم ذلك بدوره في تشكيل العلاقات الاجتماعية، والسلوكيات، والمؤسسات الأكثر اتساعاً. توضح العناني "إن أية أحداث تطرأ على المجتمع يكون لها تأثير على المستويين الفردي والمؤسسي. فإن تمكننا من التوصل لفهم أفضل لكيف يتصرف كل من الأفراد والمجتمعات، سنتمكن من فهم كيفية تأثير ذلك على الأعمال، والحراك الاجتماعي، والنمو الاقتصادي. إذ تعد هذه الركائز الاجتماعية هي جوهر الطريقة التي تعمل بها الأعمال."
توضح العناني أنه عند ركوبها تاكسيات القاهرة التقليدية، كان السائقون يحاولون صد الاتهامات التي تنال منهم وتشوه صورتهم في أعين المجتمع المصري.
تقول العناني "ركبت في بضعة تاكسيات وكان السائقين يخبرونني أنهم ليسوا سائقي تاكسيات حقاً، وأنهم خريجو جامعات، وأنهم ليسوا بأشخاص سيئة، وأنهم لن ينهبونني أو يخطفونني. فقد آثارت تلك المحادثات اهتمامي، كمتخصصة في مجال الإدارة والمؤسسات، لأن هؤلاء السائقين يعبرون في محادثاتهم عن الهوية التنظيمية حيث يشكلون الهوية التي يعتقدون أنها هي الهوية الشرعية والمقبولة اجتماعياً. تُرى، لم يتطرقون إلى ذلك أثناء حديثهم؟"
توضح العناني أن الإجابة على ذلك تكمن في رؤية المجتمع لهم، قائلة "بصفة عامة، تعتبر الوصمة خاصية تعيب صاحبها وتقلل من شأنه، وقد تؤدي إلى تهميشه في المجتمع وعدم قبوله اجتماعياً. هناك عدد من الدراسات التي تبحث في الهويات غير المقبولة اجتماعياً، وما قد يكون لديهم من تأثير في المجتمع وعلى الأعمال، مثل المشردين، جامعو القمامة، وحراس السجون. فمن المهم فهم كيف يتعامل الناس مع هوياتهم تلك والتي قد ينظر إليها المجتمع بدونية."
ومع تطور بحث العناني، اتضح أن اندلاع الثورات الأخيرة قد ساهم في شعور المجتمع بذلك تجاه بعض الهويات. تقول العناني "حينما اندلعت ثورة عام 2011، ظهرت روايات كثيرة حول أُناس يتم اختطافها، أو نهبها وسرقتها، أو تهديدها من قبل سائقي التاكسيات. فبالرغم من حدوث ذلك عدة مرات بالفعل، إلا أن المجتمع قد بالغ كثيراً فيما يتعلق بذلك مما أدى إلى تكوين هذه الصورة لسائقي التاكسيات، وتشويه المهنة ككل، وخاصة من قبل بعض الطبقات الاجتماعية الاقتصادية بالمجتمع. فالمشكلة الرئيسية هنا تكمن في أن المجتمع هو الذي يُكوِن هذه الصورة، وهي بدورها تؤثر على سمعة ورفاهة سائقي التاكسيات. وبالطبع، لن تختفي التاكسيات من مدينة القاهرة، حيث أن قطاع عريض من المجتمع يعتمد عليها في حياته اليومية، ومع ذلك، فإن تزايد غضب المجتمع على التاكسيات، التي كان يعتبر ركوبها امتيازاً فيما سبق، هو أمر مثيراً القلق."
تشير العناني أن هذه الوصمة التي التصقت بسائقي التاكسيات والتهديد بفقدان زبائنهم قد ازدادا مؤخراً بعد ظهور خدمات طلب سيارات الأجرة، مثل Uber وCareem. لدى هذه الشركات تطبيق على الهاتف المحمول يُمكِن الزبائن من طلب سيارة أجرة وتحديد موقعهم على الخريطة المتاحة بالتطبيق. يركب الزبائن في سيارات اقتصادية أو فاخرة، ويتبعون المسار المتواجد على نظام تحديد المواقع العالمي أوGPS بالتطبيق، والذي يقوم أيضاً بحساب أجرة الركوب. يقوم الكثيرين بالعمل في هذه الخدمة ويتخذونها كعمل ثاني أو حتى ثالث لكسب دخل إضافي مستخدمين سياراتهم دون الحاجة لشراء سيارة جديدة. تقول العناني "بالرغم من أن هذه الشركات تستهدف طبقة مختلفة اجتماعياً واقتصادياً عن الطبقة التي تستخدم التاكسيات، إلا أن النتيجة هي انتقال الكثير من الزبائن من التاكسي التقليدي إلى استخدام هذه الخدمة."
توضح العناني أن عامل النجاح الذي تستند إليه شركتي Uber وCareem يعد تقديم خدمة أكثر أماناً وسهولة عن التاكسيات التقليدية، وذلك بالرغم من أن المجتمع هو الذي قام بترسيخ هذه الصورة. فتلك الشركتين لديهن سمعة جيدة بأن العاملين بهن ضليعون في استخدام التكنولوجيا، وتوظفتان سائقين موثوق بهم. كما يقلل تطبيق الهاتف المحمول المستخدم في الحصول على هذه الخدمة تأثير حاجز اللغة، حيث تقوم الشركة بتعقب مسار الرحلة، ويتمكن الراكب من تحديد موعد الوصول التقريبي مع أسرته وأصدقائه. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يقوم كل من التطبيقين بتحصيل أجرة الركوب من كارت الائتمان بشكل مباشر، وبالتالي ليس على الراكب حمل مال نقدي أو منح السائق بقشيشاً.
تقول العناني "اكتسبت كل من شركتي Uber وCareem سمعة تقديم خدمة آمنة ومتطورة في مقابل التاكسيات التقليدية. ولا يلزم على سائقي الشركتين مواجهة نفس الوصمة التي يعاني منها سائقي التاكسيات التقليديين، وبالتالي ليس عليهم تشكيل هوياتهم والتحدث عنها مثلهم. فسائقو Uber وCareem يمتلكون سياراتهم الخاصة وهواتف ذكية، ومعظمهم تخرج من كليات جامعية، ويرتدون ملابس مختلفة، وبالتالي فإن كل هذه العوامل معاً تميزهم عن سائقي التاكسيات التقليدية."
بالإضافة إلى ذلك، تبذل شركتا تأجير السيارات هذه جهود مضنية لدعم المجتمعات التي يخدمونها وفقاً للعناني. فقد قامت شركة Uber مؤخراً بتدريب جميع السائقين على الإبلاغ عن أية حالات تحرش، وتقوم شركة Careem بأعمال خيرية بالاشتراك مع عدد من المنظمات الخيرية التي ترعى الأطفال في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط.
توضح العناني أن القيادة لا تعد مصدر الدخل الرئيسي لسائقي شركتي Uber وCareem، الذين عادة ما يكونوا حاصلين على شهادات جامعية مقارنة بسائقي التاكسيات التقليدية. تقول العناني "بالنسبة لسائقي الشركتين، فهم لا يكسبون معيشتهم من القيادة، والقيادة لا تشكل هويتهم، فهي مجرد عمل إضافي يدر مكسباً إضافياً لهم."
وفي المقابل، فإن معظم سائقي التاكسيات التقليدية لا يمتلكون سياراتهم وهم ملزمون بسداد مبالغ شهرية لاستئجار التاكسيات التي يعملون عليها. وأحياناً، حتى بعد العمل طوال اليوم، قد لا يحققون الأرباح المرجوة. تقول العناني "كيف من المفترض على سائق التاكسي العادي أن يكسب معيشته؟ فعادة، لا يكون لديه رأس المال الاجتماعي أو الموارد، وهناك أيضاً الوصمة التي يعانون منها داخل المجتمع."
تأكيداً على الفجوة المتسعة بين الطبقات الاجتماعية الاقتصادية، تذكر العناني أن مجتمع سائقي التاكسيات يعتبر مجتمع واسع وجزءً لا يتجزأ من الاقتصاد والحياة الاجتماعية في مصر. تقول العناني "يساهم المجتمع في تكوين هذه الانقسامات مما يؤثر على الأعمال ونشاط المؤسسات لأن الأشخاص التي تُوصم هوياتهم تصعب لديهم إمكانية الحصول على عمل، ويصعب قبولهم لدى المجتمع. وهذا لا ينطبق على سائقي التاكسيات فحسب، وإنما يؤثر أيضاً على أشخاص آخرين مثل اللاجئين، والسيدات، والمشردين. فإن إطلاق خصائص ما على فئات بعينها يضر بقوة عمل البلاد، وقد يشكل عبئاً اجتماعياً ضخماً على الاقتصاد بسبب البطالة. نحن كمجتمع، علينا العمل والتكاتف معاً لهدم مثل هذه الرؤى، وتحفيز وتمكين من هم أقل تأهيلاً."