رؤية فلسطينية: علم النفس المجتمعي للتنمية المستدامة
حينما عادت اللاجئة الفلسطينية إيمان مطاوع إلى موطنها الأصلي للمرة الأولى في سن الخامسة عشر من عمرها كي تعيش هناك، كانت التجربة أليمة. تقول مطاوع، طالبة الدراسات العليا بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، "كانت عودتي لموطني جميلة وأكثر مما تخيلت. ولكن ما لم أتخيله هو فكرة العيش في ظل الاحتلال."
توضح مطاوع "يكون الأمر صعباً للغاية حينما تسمع عن الوضع هناك، ولكن الوضع يختلف تماماً عما يُعرض في التليفزيون أو الأخبار، حينما تكون أنت أحد الأشخاص الذين يمرون بنفس الظروف، وحينما ترى الناس يعانون من الوضع الاقتصادي المتردي. تدرس مطاوع، الحاصلة على برنامج زمالة طارق جفالي بالجامعة، علم النفس المجتمعي والتنمية المستدامة.
لم تثبط عزيمة مطاوع بسبب الصراع القائم بين إسرائيل وفلسطين، والمحنة التي يواجهها اللاجئون، بل شعرت مطاوع بإلهام لإحداث تغيير في المجتمع. تقول مطاوع "شعرت بحافز قوي يحثني على تغيير المجتمع والاستفادة من ثباتنا وقوتنا، حتى في ظل الظروف الحالكة والعصيبة التي نواجهها. فكوني لاجئة، قد أثر بشكل كبير على اختياري لموضوع دراستي. وقد ساعدني ذلك على تحديد ما أود القيام به في المستقبل."
وحتى أثناء عيش مطاوع مع أسرتها في لبنان وقبل عودتها إلى فلسطين، فقد كان هذا الجزء من هويتها موجوداً دائماً، حيث كانت تعاني من آثار ذلك. تقول مطاوع "إن مصطلح لاجئ هو مصطلح ثقيل للغاية، حيث يكون له آثار شديدة الوطأة على حياتك، وعلى شخصيك، والعقبات التي تواجهها. فأنت تحمل هذا اللقب طوال حياتك، وتصبح حبيسة لبعض القيود التي لا يمكنك الهرب منها، ويتم حرمانك من حقك في حرية التعبير، وحرية الحركة، وحرية التعليم."
وبالرغم من القيود المفروضة عليها، التحقت مطاوع بجامعة الأزهر بفلسطين، واشتركت في أنشطة الخدمة المجتمعية من خلال كليتها، وعملت في مجال الاتصالات، وتقابلت مع صحفيين ونشطاء يمثلون مجتمعها. وبعد التخرج، عملت مطاوع في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا).
تقول مطاوع "لكوني لاجئة، ولكوني أعيش حياة اللاجئين، فقد مكنني ذلك من رؤية مختلف المجتمعات الخاصة باللاجئين والذين يحاولون إحداث تغييراً حقيقياً. كنت أشاهد الجهود التي يبذلونها كأفراد في تلك المجتمعات، ولكنني أردت أن أساهم في تغيير الواقع المفروض على كثير من هذه المجموعات المستضعفة. وعملت مع منظمات غير حكومية محلية ودولية في فلسطين لإيجاد طريقة لتمكين نفسي والآخرين."
وحينما انتقلت مطاوع للعمل بأعمال الأمم المتحدة في مجال التنمية United Nations Development Business، بدأ اهتمامها بمجال التنمية المجتمعية. تقول مطاوع "كنت مهتمة بمساعدة الناس والمجتمعات أيضاً ليتم تنميتها ولتحقق مستوى معين من الاستدامة للأجيال القادمة. لا يمكن إحداث تغيير بسبب التمويل أو الخدمات المؤقتة التي تمنحها إياك الدول المتقدمة. يجب أن يأتي هذا التغيير من المجتمع نفسه."
وبالرغم من شعور مطاوع أنه بإمكانها القيام بما هو أكثر من ذلك، كانت تعلم أنها تحتاج إلى التعليم المناسب الذي يمكن أن يدفعها إلى الأمام. تتذكر مطاوع "شعرت أنه علي الحصول على تعليم أكاديمي محدد ليكون هو الأداة التي تعزز وتدعم عملي مع المجتمعات في المستقبل. ومن هنا طرأت لدي فكرة الدراسة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إذ وجدت أن الجامعة لديها برنامج جديد في التنمية المستدامة، والذي يعد الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط. إن هذا المجال بالتحديد هو ما أردت دراسته، وليس لمساعدة بلدي فحسب، وإنما لمساعدة أماكن أخرى بالمنطقة أيضاً، والتي تعتبر التنمية المستدامة أمراً حتمياً بالنسبة لها الآن."
وحتى بعدما علمت بوجود هذا البرنامج بالجامعة، فقد واجهت مطاوع عقبة أخرى. فبسبب وضعها في فلسطين، كان عليها التقديم بالجامعة عدة مرات، وكان وضعها المالي غير واضح. تقول مطاوع "لقد كافحت من أجل الالتحاق بالجامعة، وخاطرت باستثمار مدخراتي الخاصة لأن البرنامج كان جيداً للغاية، وهذا هو المجال الذي رغبت في دراسته حقاً."
وقد جنيت مطاوع ثمار إصرارها إذ حصلت على برنامج زمالة طارق جفالي بعد التحاقها بالجامعة، وتم سداد بقية المصروفات الدراسية من خلال الدعم المالي الذي تقدمه الجامعة وبرنامج العمل أثناء الدراسة.
دفع هذا البرنامج المتسع النطاق، الذي يدمج العديد من العناصر المترابطة معاً، مطاوع إلى رسم صورة كاملة للبيئة المجتمعية التي يعيش الأفراد بها. تقول مطاوع "يعد هذا البرنامج من أكثر البرامج الرائعة والمثيرة للاهتمام لأنه فضلاً عن حصولك على المعرفة المباشرة، فإنك تكتشف أيضاً أن هناك طبقات أخرى تؤثر فيما تعمل. فعلى سبيل المثال، حينما تقوم بإعداد مشروع ما، فأنت تنظر من ناحية الأعمال، ومن الناحية الهندسية، وما هي السياسات المتعلقة به، وكيف يندمج كل شيء معاً لإحداث تغيير في المجتمع."
وأثناء دراستها، تعرفت مطاوع على قسم علم النفس المجتمعي بالجامعة، قائلة "أردت أن أطور فهمي واستيعابي للنظام البيئي الخاص بالمجتمع بوجه عام، لذا قررت أن أسعى لنيل شهادة مزدوجة. لقد غير علم النفس المجتمعي رؤيتي تجاه العلاقة بين المجتمع والأفراد الذين يعيشون به، من خلال التركيز على منهج تشاركي حيث يهم رأي الجميع."
تضيف مطاوع "لا يعد الأمر سهل، ولكنه يستحق العناء المبذول في سبيله. حينما تقوم بدراسة هذين التخصصين وتشعر بالترابط فيما بينهما، ستجد الأمر يستحق العناء حقاً."
ولن يكون الأمر مفاجئاً ألا تتوقف مطاوع، التي تتخرج هذا العام، عند هذا الحد من التعليم. إذ تسعى مطاوع لنيل درجة الدكتوراة في أوروبا مستعينة بتجربتها الشخصية وتعليمها لمخاطبة الموجة الجديدة من اللاجئين الذين يغمرون القارة الأوروبية.
تقول مطاوع "أريد أن أدرس كيف نجعل اللاجئين يندمجون بشكل أفضل وبطرق أكثر استدامة. لابد وأن نتعلم كيف نبني جسور بين الثقافات وذلك للوصول إلى نوع من الاندماج فيما بينها حيث لا يهم من أي مكان أتيت. ففي نهاية الأمر، كلنا بشر ونشترك معاً في القيم نفسها."