آيمي أوستن هولمز: لماذا تتواجد قواعد عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية بالخارج؟
أثناء دراسة آيمي أوستن هولمز، أستاذ مساعد ورئيس وحدة علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، للحصول على الماجستير من جامعة برلين الحرة، كان السكن الطلابي التي أُقيمت به مختلفاً عن بقية الحرم الجامعي حيث كان مسكناً لمئات من الجنود الأمريكيين سابقاً.
أثناء الحرب الباردة، تم إرسال 250,000 جندي في مواقع بألمانيا، بالإضافة إلى أسرهم، مما يعني أنه كان يعيش حوالي نصف مليون أمريكي تقريباُ في ألمانيا. توضح هولمز حينما اتحدت ألمانيا، انسحبت بعض القوات الأمريكية من برلين مما خلف وراءه وجود الكثير من المباني العسكرية الخالية التي وجب تحويلها بشكل يتناسب مع الاستخدام المدني."
ومع ذلك، وحتى بعد أن خمد تهديد الحرب الباردة، لم ترحل الولايات المتحدة الأمريكية كلية. تقول هولمز "بينما رحلت القوات الروسية عن ألمانيا الشرقية، لم ترحل القوات الأمريكية. فقد انخفض عدد القوات المتواجدة بألمانيا، ولكن كان لا يزال يعيش حوالي 70,000 جندي أمريكي بالبلاد وذلك بعد مرور 20 على انتهاء الحرب الباردة. وبناءً عليه، بدأ يتبادر لذهن هولمز عما إذا كان تواجد هؤلاء بالبلاد ضرورياً. لماذا تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على بقاء قواعد عسكرية لها بالخارج حتى بعد زوال التهديد الأمني الذي من أجله حدث ذلك؟ لماذا يتغاضى الشعب الأمريكي عن وجود قواعد عسكرية أمريكية بالخارج، وهو الأمر الذي كان يعد جزءً كبيراً من الحديث السياسي والثقافي في الدول المضيفة؟
تقول هولمز "في الولايات المتحدة الأمريكية، لا يوجد وعي بوجود هذه القواعد العسكرية حول العالم، وهذه تعتبر مشكلة هائلة. فلا تتحدث وسائل الإعلام الأمريكية عن هذه القواعد العسكرية. وعادة ما يُثار الموضوع فقط حينما يعمل المراسلين الصحفيين في مناطق النزاع التي قد تتواجد بها تلك القواعد. فهم يذهبون لتلك المناطق لتغطية ما يدور هناك من نزاع وقد يُثار موضوع هذه القواعد العسكرية بالمصادفة أو كفكرة تتبادر لذهنهم نتيجة للنزاع القائم."
في عام 2014، قامت هولمز بنشر كتاب بعنوان Social Unrest and American Military Bases in Turkey and Germany Since 1945 (مطبعة جامعة كمبردج)، وقامت بكتابة وإخراج فيلم وثائقي بعنوان Occupy Turkey: Resistance in Baseworld ليكون مكملاً للكتاب. وقد أجرت هولمز بحثاً حول القاعدة البحرية الأمريكية في البحرين والذي نتج عنه العديد من الإصدارات مثل The Base that Replaced the British Empire: De-Democratization and the American Navy in Bahrain .
طالما كان للولايات المتحدة الأمريكية تواجداً عسكرياً ملحوظاً في ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن كانت مهمة الجنود هناك تتسم بالميوعة. يرجع السبب في التواجد العسكري الأمريكي في ألمانيا في بداية الأمر إلى منع سيطرة القوة العسكرية الألمانية على البلاد من جديد في عام 1945. ومع بداية الحرب الباردة في عام 1948 تغير العدو، فلم يصبح العدو هو النازية بل الاتحاد السوفيتي. تقول هولمز "حينما تم تشييد سور برلين، تغير الغرض من التواجد العسكري الأمريكي من هزيمة النازية إلى حماية ألمانيا، العدو السابق، من الاتحاد السوفيتي."
توضح هولمز "هكذا يكون الوضع في أي دولة يطيل بها التواجد العسكري الأمريكي. يتم وضع تلك القواعد لغرض معين، وقد يبدو هذا الغرض منطقي وشرعي للغاية آنذاك. ولكن مع الوقت يختفي الغرض من قيام ذلك، وتتمكن أمريكا من إيجاد مبررات أخرى لبقاء هذه القواعد العسكرية بالدول المضيفة."
تذكر هولمز أن غياب إشراف الكونجرس الأمريكي وقلة شفافية وزارة الدفاع هما السببين الرئيسيين في التشغيل غير الكفء فيما يتعلق بتواجد القواعد العسكرية الأمريكية بالخارج. تقول هولمز "لا يعمل النظام الخاص بالقواعد العسكرية الأمريكية بأكمله بشكل كفء، فهو غير منظم."
بالنسبة إلى هولمز، يعد إيجاد سبب لإبقاء أمريكا على قواعد عسكرية لها بالخارج أمر مهم للغاية. تقول هولمز "يعد هذا سبب آخر لقيامي بهذا البحث لأن الأمر يعتبر مبهم للمواطن الأمريكي العادي. فهناك صمت تام حول هذه المسألة، والتي طالما تم تجاهلها. ولكن، إذا ما بحثنا في تاريخ هذا الموضوع، سنعرف أن الإبقاء على هذه القواعد العسكرية بالخارج ليس وسيلة لغاية ما. أعتقد أنه غاية في حد ذاته. وهنا بدأت أستوعب الحجم الهائل للنظام الخاص بالقواعد العسكرية الأمريكية الآن وما كان عليه سابقاً."
حينما حولت هولمز تركيزها البحثي على موضوع التواجد العسكري الأمريكي بالخارج، لم تجد أي تاريخ أو معلومات شاملة حول هذا الموضوع. فقد ركزت النصوص المحدودة التي وجدتها على قضايا فردية. تقول هولمز "فقد تم التطرق لهذا الموضوع بشكل محدود للغاية. لم يكتب أحد عن تاريخ التواجد العسكري الأمريكي بالخارج من بدايته وحتى الآن، متضمناً تاريخ معارضة وجود هذه القواعد. وهذا هو ما أردت القيام به."
حيث أن هولمز كانت تعيش في ظل قاعدة عسكرية أمريكية، فقد أرادت أن يكون لها منظوراً أكثر اتساعاً حول هذا الموضوع. بالإضافة إلى ألمانيا، فقد تطرقت إلى تاريخ التواجد العسكري الأمريكي في بحثها. تقول هولمز "لدى ألمانيا وتركيا العديد من النقاط التي تشتركان فيها معاً والتي تمكننا من عقد مقارنة بينهن. فالاثنتان أعضاء بحلف شمال الأطلسي أو حلف الناتو، وتستضيفان قواعد عسكرية منذ 1945 وحتى الآن، ولدى الاثنتين تعددية حزبية، وكانت الاثنتان جبهتان أثناء الحرب الباردة. ولكنهن في الوقت ذاته مختلفتان بحيث تكون دراستهن مثيرة للاهتمام."
من أجل سرد تاريخ التواجد العسكري الأمريكي بهاتين الدولتين، تحدثت هولمز تفصيلياً عن تاريخ حركات المعارضة ضد القواعد الأمريكية، موضحة "إن الأمر المثير للدهشة هو بالرغم من أن ألمانيا وتركيا تختلفان من الناحيتين التاريخية والثقافية، إلا أنهن تشابهن فيما يتعلق بأنواع المعارضة ضد التواجد العسكري."
بدون وجود هدف واضح أو عدو مشترك للتضافر ضده، فقد قوبل التواجد العسكري الأمريكي بالخارج بمعارضة شديدة من السكان المحليين في أوقات مختلفة.
توضح هولمز أنه كانت هناك أربعة أنواع من حركات المقاومة ضد التواجد العسكري الأمريكي بكل من ألمانيا وتركيا: عصيان مدني غير عنيف، واحزاب المعارضة بالبرلمان، والإضراب عن العمل من قبل عمال القاعدة، وأفعال عنيفة مثل عمليات الاختطاف والتفجيرات.
تقول هولمز "في كل دولة منهن، كان هناك حزباً سياسياً يقوم بالكشف عن المعلومات حول القواعد العسكرية وطرح الأسئلة عن سبب وجودها وعددها."
بدأت تلك الأحزاب السياسية في الاحتشاد والكشف عن معلومات حول هذا التواجد العسكري والإعلان عنها. بدأت حركة المقاومة في تركيا من خلال حزب العمال التركي Türkiye İşçi Partisi في الستينيات، أما في ألمانيا، كانت المقاومة من خلال حزب الخضر الألماني Die Grünen . قامت المقاومة التركية بتنظيم إضرابات عمالية داخل القواعد العسكرية والتي أصبحت مسيسة للغاية، حيث تم تحديد موعد الإضراب أثناء تواجد أعضاء حلف الناتو مما أدى إلى حدوث شلل تام بقاعدة إنجريلك الجوية، وهي أكبر قاعدة جوية أمريكية بتركيا.
بالإضافة إلى ذلك، انتشرت حركات العصيان المدني ضد القواعد العسكرية في الدولتين. ففي أُثناء الحرب الباردة، كانت أكبر حركة اجتماعية في ألمانيا الغربية هي حركة السلام لنزع السلاح النووي. فقد جاءت هذه الحركة كردة فعل لصد محاولات كل من أمريكا وحلف الناتو للتقدم على التسليح النووي للاتحاد السوفيتي من خلال استخدام صواريخ برشنج 2 النووية. توضح هولمز "حينما قررت أمريكا إرسال صواريخ برشنج 2 النووية إلى ألمانيا، شعر الألمان بأنهم رهينة أهواء واشنطن. فإذا ما قرر ريجان إطلاق صواريخ على الاتحاد السوفيتي، ستصبح ألمانيا ساحة معركة نووية. وبالتالي، أدى ذلك لقيام حركة احتجاجية كبيرة. وتضمنت هذه الحركة تنظيم احتجاجات بالشوارع ومحاولات لصد الجيش، مثلما حدث حينما أغلق المحتجين مقر للجيش الأمريكي في مدينة شتوتجارت بسلسلة بشرية. كما حاول المحتجين منع المناورات التي تجريها قوات حلف الناتو عن طريق سد الطرق أو استخدام أجهزة عسكرية.
كما استخدم المحتجين الأتراك وسائل غير عنيفة للاحتجاج، مثل محاولة عرقلة العمليات الجارية بالقاعدة الأمريكية بشكل سلمي. تقول هولمز "قد أزعم أن أحد أسباب حدوث انخفاض كبير في عدد القوات الأمريكية المتمركزة في تركيا يعود إلى تاريخ هذه الحركات المعارضة، والتي كان لديها تأثير قوي للغاية على إمكانية استخدام تلك القواعد من قبل الجيش الأمريكي في تركيا وذلك بسبب طبيعة هذه الحركات الاحتجاجية."
وأخيراً، لجأ بعض المعارضين لتواجد قواعد عسكرية أمريكية إلى استخدام وسائل عنيفة. حيث تم قذف قاعدة أمريكية في ألمانيا بالقنابل من قبل فصيل الجيش الأحمر Red Army Faction وجماعات أخرى مناهضة للاستعمار، ومنها الخلايا الثورية Revolutionary Cells ، أما في تركيا، كانت هذه الجماعات جيش التحرير الشعبي Turkish People’s Liberation Army وجبهة التحرير الشعبية الثورية Turkish People’s Liberation Front. تضمنت أعمال تلك الجماعتين اختطاف الجنود الأمريكيين، وزرع القنابل، والمشاركة في أعمال عنف. تقول هولمز "بالنظر إلى جميع أطياف المعارضة في كل من الدولتين، وجدت تشابهاً قريباً للغاية بينهما فيما يتعلق بالوسائل المستخدمة."
واليوم، لا زالت القواعد الأمريكية تلعب دوراً مهماً في السياسة العالمية، وبالأخص منذ حرب العراق. تقول هولمز "بعد انتهاء الحرب الباردة، قامت أكبر حركة معارضة في الدولتين ضد اندلاع حرب العراق في عام 2003. أرادت أمريكا أن تنشر قواتها التي قُدرت بحوالي 80,000 جندي عبر تركيا لعزو شمال العراق وأرادت أن تبني قواعد جديدة في تركيا من أجل هذه الحرب وتطوير القواعد الموجودة بالفعل."
ومع ذلك، بحلول ذلك الوقت، كان البرلمان التركي قد تمكن من فرض المزيد من السيطرة على القواعد العسكرية الموجودة في البلاد، ولم تتمكن أمريكا من استخدام قواعدها دون الحصول على تصريح من البرلمان. توضح هولمز "كانت الحركة التركية المناهضة للحرب لديها هدف، وهو جعل البرلمان التركي يرفض طلبات أمريكا لاستخدام تلك القواعد."
ولكن، لم يكن الوضع مماثلاً بالنسبة لألمانيا. فبينما ظهرت حركة ألمانية مناهضة الحرب، لم يفرض البرلمان سيطرته على القواعد الأمريكية مثلما سيطرت تركيا. تقول هولمز "لم تربط الحركة الألمانية المناهضة الحرب بين الحرب واستخدام تلك القواعد وما عليها من مرافق. فقد كان السياسيون يعارضون الحرب شفهياً، ولكنهم كانوا يدعون قلة حيلتهم في منع أمريكا من استخدام تلك المرافق."
توضح هولمز أنه لا يبدو أن هناك ما يشير إلى توقف استخدام تلك القواعد العسكرية الأمريكية بالخارج في وقت قريب، ولكن قد تساعد زيادة التوعية، في كل من أمريكا والخارج، على توافر المزيد من الشفافية والمسائلة. تقول هولمز "تحتاج الدول المضيفة للقواعد العسكرية الأمريكية أن تكون على دراية بتواجد تلك القواعد وفهم ما مدى سيطرة الحكومات المحلية عليها."