الجامعة تسهم في الحفاظ على تاريخ القرنة
قام بعض الخريجين والعاملين بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بالاشتراك مع مشروع تاريخ القرنة الشفهي Qurna History Project في جمع معلومات وبيانات تاريخية شفهية من السكان المحليين بمدينة القرنة في صعيد مصر، وذلك لتسجيلها قبل اختفاء هذه القصص للأبد. توضح كارولين سيمبسون، مدير مشروع تاريخ القرنة الشفهي، "ستشكل هذه المقابلات جزءً مهماً من تاريخ القرنة. فالعجائز يتوفون والشباب يشيخون دون معرفة أو تذكر روعة الحياة على التلال. سيتعرف الشباب والأجيال المستقبلية على حياة ومعتقدات آبائهم وأجدادهم وكيف عاشوا حياتهم على هذه التلال. فلا يمكن محو التاريخ المتشعب لسكان هذه التلال ببلاد طيبة."
عكفت سيمبسون على جمع معلومات تاريخية وجذب الانتباه لمجتمع مدينة القرنة منذ بداية عملها هناك في منتصف التسعينيات. تقول سيمبسون، "حاولت الحصول على مساعدة من منظمة ما على مدى أعوام طويلة وذلك لجمع معلومات تاريخية شفهياً ولكن دون جدوى. فقد سررت كثيراً حينما تواصلت الجامعة الأمريكية بالقاهرة معي من أجل التعاون معاً في هذا الشأن."
يتوافق هذا المشروع مع الجهود المتواصلة التي تبذلها مكتبة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة بالجامعة والتي تسعى للحفاظ على التراث المحلي والعالمي. يقول ستيفن أرجولا، المشرف على أرشيف الجامعة ومدير إدارة السجلات بمكتبة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة بالجامعة، "تقيم الجامعة شراكات مع أفراد ومجموعات من خارجها ممن لديهم شغف للحفاظ على التراث المصري، إذ تتيح الجامعة مواردها وتقدم خبراتها لهم لمواصلة بذل الجهود في هذا المجال. كما يلعب الطلاب دوراً رئيسياً من خلال المساهمة بحماسهم وتجاربهم وتخصصاتهم الأكاديمية المتنوعة. ولذلك، يعد برنامج العمل أثناء الدراسة هام للغاية للمكتبة حيث يتم تدريب الأفراد الذين يجرون المقابلات خلال هذا البرنامج."
وعلى مدار أسبوعين في مدينة الأقصر، أجرى طلاب الجامعة حوالي 70 مقابلة شفهية مع السكان الأصليين بمدينة القرنة سابقاً، والذين تتراوح أعمارهم بين 50 و90 عام تقريباً (تضمنت المقابلات 25 سيدة)، لتوثيق طبيعة الحياة في القرنة قبل انتقالهم من بيوتهم التقليدية. قام بإجراء المقابلات جيرمين رياض، طالبة بدراسات الماجستير في علم النفس المجتمعي، وحبيبة العوضي، الحاصلة على الماجستير في علم الأنثروبولوجي عام 2016، ومينا إبراهيم، الحاصل على الماجستير في علم الأنثروبولوجي، وسارة واصف، الحاصلة على البكالوريوس في علم الأحياء عام 2016، ومحمد فراج، موظف بمعمل الرقمنة بمكتبة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة بالجامعة.
كان الموقع الأصلي للقرنة على التلال بالضفة الغربية من نهر النيل بالأقصر، حيث وقعت التلال في وسط مقبرة مدينة طيبة القديمة، والتي تعد إحدى أهم مواقع التراث العالمي المدرجة ضمن برنامج مواقع التراث الدولية باليونسكو. توضح سيمبسون "كانت الناس تعيش داخل وحول مقابر النبلاء والمقابر الأخرى الموجودة على التلال وذلك بالقرب من المعابد الجنائزية في مختلف الأزمنة، والتي تعد جزء من موقع التراث العالمي الذي يزوره الكثيرين."
وخلال الأربعينيات، حاولت الحكومة نقل السكان إلى مدينة القرنة الجديدة التي صممها المهندس المعماري المصري حسن فتحي، ولكن هذه الخطوة قوبلت بمقاومة شديدة من السكان الأصليين، ولكن تم نقلهم لمكان آخر خلال عامي 2006 و 2008. والآن، أصبحت مدينة القرنة القديمة غير مأهولة بالسكان، ويعيش حوالي 15,000 - 18,000 من سكانها في ثلاثة مواقع وهي مناطق السيول وجوباوي والقرنة الجديدة اللواتي يقربن بنحو 5 – 8 كيلومتر تقريباً من شمال حدود الصحراء.
وقد تعاونت سيمبسون مع السكان المحليين وقامت بجمع الأموال لإقامة المعارض، حيث تمكنوا معاً من القيام بترميم مجموعة من البيوت القديمة بالقرنة وتحويلها لمركز مجاني لإقامة المعارض. ولكن، تم هدمها جميعاً عام 2009. توضح سيمبسون أن الكثير من الدلائل الموثقة عن تاريخ مدينة القرنة لا زالت موجودة خارج حدود المدينة أو لم يتم تسجيلها على الإطلاق. تقول سيمبسون، "حاولت أن أعالج هذا الوضع. فبالرغم من أن هذه المنازل الجميلة لم تعد موجودة على التلال، لا يزال أمامنا الكثير من العمل وكان مشروع تاريخ القرنة الشفهي جزءً مهماً من هذا العمل."
تشير سارة واصف إلى أن جمع المعلومات التاريخية شفهياً يكون ذو قيمة خاصة لأنه يقدم آراء غير متحيزة للتجارب الفردية، موضحة، "يعد التاريخ الشفهي مهماً للغاية مقارنة بأي نوع آخر من التاريخ المكتوب لأنك تستمع إلى القصة مباشرة من الشخص الذي عاصرها، ولا يقدم الكاتب أي تفسيرات لها. فلا يوجد طرف ثالث بين من يقوم بسرد القصة والمستمع إليها طالما تُجرى المقابلة بالشكل الصحيح."
تذكر واصف أنها واجهت بعض التحديات في فهم المفردات الفريدة الخاصة بسكان مدينة القرنة. تقول واصف، "كان يصعب علي فهم السكان أحياناً، ولكن في الوقت نفسه، كان الأمر مشوقاً للغاية حيث كانوا يشرحون معنى المصطلحات الخاصة بهم لي. وتتذكر واصف التعرف على الفلكلور أو التراث الشعبي والأساطير الخاصة بالسكان، قائلة، "كانت إحدى الأشياء التي أثارت دهشتي هي كم الخرافات التي يؤمنون بها وقصص شهود العيان عن الأشباح ولعنة الفراعنة. حتى الشباب يؤمنون بها."
والآن، سيتاح هذا التاريخ الشفهي، بالإضافة إلى صور ومعلومات عن ملكية ومواقع حوالي 750 منزل على الإنترنت لسكان مدينة القرنة، والأبحاث، والعامة. تقول سيمبسون، "سيكون ذلك بمثابة سجل متاح ودائم لمجتمع وتراث معماري رائع وفريد والذي من المؤسف أنه قد تم تدميره."
سيكون التاريخ الشفهي متاحاً بمكتبة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة بالجامعة في العام القادم، وسيتضمن نصوص ومقابلات صوتية يمكن الحصول عليها على الإنترنت. يقول أرجولا، "يعد هذا مثالاً جيداً على إتاحة موارد التراث الثقافي والتاريخي للمستخدمين حول العالم من خلال المكتبة، ويؤكد على أهمية الاستثمار في التخزين الرقمي والتاريخ الشفهي لأن هناك الكثير من الأصوات التي نرغب في الحفاظ عليها، وهناك الكثير من المواد التي نرغب في إتاحتها عبر الإنترنت كي يراها ويسمعها العالم."