هوريج سوروزيان تساهم في الكشف عن التراث المصري
منذ نعومة أظافرها، كانت الألغاز تثير اهتمامها وكانت تعتبر الصور والحروف الهيروغليفية تدريبات ذهنية. واليوم، هوريج سوروزيان هي أستاذ ويليام سيمبسون ومارلين سيمبسون في علم المصريات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وقد وصفت بأنها "واحدة من أفضل مؤرخي الفن المصري في هذا الزمن"، وذلك في مقالة لمعهد سميثسونيان المرموق.
هذه ليست المرة الأولى لسوروزيان في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. فقد قامت بالتدريس سابقاً في قسم علوم الاجتماع والمصريات والأنثروبولوجيا في عام 1999، ومنحت أستاذية ويليام سيمبسون ومارلين سيمبسون في علم المصريات في عام 2003. وهي تعتقد أن "الجامعة الأمريكية بالقاهرة تمنح فرصة مميزة للطلاب لدراسة الفن المصري في مصر."
بدأت سوروزيان رحلتها منذ 40 عام بدراسة تاريخ الفن والمعالم الأثرية للحضارات القديمة في مدرسة اللوفر بفرنسا. وهي الآن تستكشف مقبرة طيبة القديمة، حيث كانت تقود أعمال التنقيب على مدار العشرين عام الماضية. تقول سوروزيان "مع كل اكتشاف جديد، يتم الكشف عن فصل جديد في تاريخ مصر وتاريخ الفن العالمي. فكل يوم يتم إثراء علم المصريات بلمحات جديدة عن الماضي ومعرفة أفضل للمستقبل."
تدرك عالمة المصريات الشهيرة أن هناك العديد من المشكلات التي يعاني منها علم المصريات وعلم الآثار في مصر اليوم، مثل أمور تتعلق بحفظ الآثار وبلورة الملح، وأعمال التخريب. كان التصدي لتلك العقبات عاملاً محورياً في عملها، وهي تؤمن تماماً بأهمية الحفاظ على التراث القديم في مصر على المدى الطويل، والتي تطلق عليه "التراث الفريد". تقول سوروزيان "أعتقد أنه من بين جميع الحضارات القديمة المعروفة للإنسان، فإن الحضارة المصرية هي الأعظم. إن التراث الثقافي والفني لعمليات البحث عن الآثار، قد تكتشف جانباً جديداً من هذا التراث."
على مدى السنوات الماضية، كان الاهتمام الرئيسي لسوروزيان يكمن في التماثيل الملكية، والتي درستها بشكل مكثف في الأبحاث التي أجرتها للدكتوراة بجامعة السوربون بباريس. وبعد ذلك بوقت قصير، بدأت العمل في مشروع التنقيب الحالي، وهو مشروع الحفاظ على تماثيل بمعبد ممنون وأمنحوتب الثالث، في معبد كان يعُرف لدى المصريين القدماء ببيت ملايين السنوات. وبالتعاون مع وزارة الآثار، شرعت سوروزيان وزملاؤها في مهمة لإنقاذ الموقع. تقول سوروزيان "يعد الهدف من هذا المشروع الحفاظ على بقايا معبد أمنحوتب الثالث، والذي كانت له مكانة هامة في الماضي، وقد أطاح به زلزال في عام 1200 قبل الميلاد."
كانت عملية إخلاء الموقع قيد المناقشة منذ مطلع التسعينيات، إلا أن إندلاع حريق طبيعي في عام 1996 قد دعا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وفورية أدت إلى اكتشافات جديدة وتعريف العامة بحقبة أخرى من تاريخ مصر. تقول سوروزيان "حتى الآن، اكتشفنا تماثيل فريدة، ملكية ودينية، من بينها أكثر من 200 تمثال من الإلهة سخمت، وهو تمثال عللى شكل امرأة برأس أنثى الأسد. كما أعادنا تثبيت ما لا يقل عن ثمانية تماثيل هائلة لأمنحوتب الثالث ولوحة تذكارية. وبالإضافة إلى ذلك، قمنا بالكشف عن وحفظ بقايا صرحين بالطوب اللبن وأعددنا خطة عمل لإدارة وحماية الموقع."
إن مثل هذه الاكتشافات تجعل علماء الآثار يفكرون ملياً في بعض الألغاز والأمور الغامضة. لا زال لدى سوروزيان بعض التساؤلات حول اللوجستيات في مصر القديمة. تقول سوروزيان "لو كان لدي آلة للسفر عبر الزمن، كنت سأود أن أعود إلى عهد أمنحتب الثالث في النصف الأول من القرن الرابع عشر قبل الميلاد لمعرفة كيف تم جلب هذه التماثيل الضخمة، التي تزن 800 طن على حدة، من محاجر صخور الكوارتزيت في الجبل الأحمر والتي تقع بالقرب من مصر القديمة (القاهرة) إلى الأقصر في الضفة الغربية. بالنسبة لي، إن مشاهدة تلك اللحظة ستكون بمثابة الحلم الذي يتحقق. وسأقوم بالإشادة وتوجيه التقدير للبناة والنحاتين المصريين العظماء."
أما فيما يتعلق بالنظريات المحتملة، إن سوروزيان، ذات الأصول الأرمنية والتي كرست إحدى الدراسات التي أجرتها للحضارات الأرمنية القديمة، قد تحدثت عن ذلك في خلال عمليتها الاستكشافية الحالية حيث تحاول إيجاد بعض الروابط المحتملة بين مصر وأرمينيا. تقول سوروزيان "لدى أرمينيا صلات أوثق بجيرانها المباشرين في بلاد ما بين النهرين وبلاد فارس والإمبراطورية الحيثية. وقد وجدنا ما يشير إلى أراضي أجنبية على قواعد التماثيل الملكية، حيث يُطلق على أحد الأراضي اسم Isiyw، الذي قد يكون هو Ishuwa في مصادر حيثية، وهو اسم قديم يربط المرتفعات الأرمنية بشرق الإمبراطورية الحيثية. إن ما سبق هو افتراضات آمل أن تثبت صحتها بشكل قاطع يوم ما."
أثناء اشتغالها بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، لاحظت سوروزيان أن علم المصريات بالجامعة قد اتخذ نهجاً أكثر عملياً وهو الأمر الذي أشادت به. تقول سوروزيان "هذا البرنامج الآن يتجاوز المعرفة النظرية للفن المصري. استناداً للخبرات التي اكتسبتها أثناء عملي في مصر، قدمت مقترحاً لتدريس الفن من خلال الآثار. سعدت كثيراً بحماس الطلاب الذين تحمسوا لزيارة المتاحف والمواقع الأثرية الرئيسية في صعيد مصر كانوا متحمسين جدا لزيارة في المتاحف والمواقع الرئيسية في الوجهين القبلي والبحري."
تعتقد سوروزيان أن الطلاب الذين يدرسون علم المصريات هم يقظون ومتحمسون ويتوقون إلى التعلم. وتتذكر نماذج من طلابها الذين تخرجوا ونجحوا في مجالات فرعية متنوعة من علم المصريات، وحصلوا على درجات الدكتوراة في علم النبات الأثري archaea-botany، أو قاموا بإطلاق المعارض الفنية، أو أصبحوا خبراء متخصصين في مصر القديمة. تقول سوروزيان "أقر بجدارتهم الهائلة والتي تعود بالتأكيد لجودة مستوى تدريس هذه التخصصات في الجامعة الأمريكية بالقاهرة".
إن السيرة الذاتية لسوروزيان تسلط الضوء على أكثر من 40 عام من العمل المكثف في مجال الحضارات القديمة. فخبرتها لا تقتصر على التدريس أو أعمال الحفر فحسب. في الواقع، هي حالياً مستشار الشئون الثقافية للسفارة الأرمينية في القاهرة، وعضو في بعض مجالس الإدارة، وتشغل العديد من المناصب في مجالس وجمعيات متخصصة في مجال التراث الثقافي والآثار. أتقنت سوروزيان اللغتين الأرمنية والعربية القديمة في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية، كما تتحدث اللغات الألمانية والفرنسية والعربية والإنجليزية. وقدمت محاضرات عديدة وساهمت في الكتابة في بعض المنشورات وشاركت في العديد من المؤتمرات. حصلت سوروزيان على جائزتين في علم المصريات من مجلة الأقصر تايمز في عامي 2016 و2017.